وإخوته ابن تسع وثلاثين سنة ، فإذن كان مقامه بمصر قبل أبيه وإخوته اثنين وعشرين سنة ، ضمها إلى ثلاثمائة سنة وخمسين سنة يقوم من الجمع بلا شك ثلاثمائة واثنان وسبعون سنة. أين الثماني والخمسون الباقية من أربعمائة وثلاثين سنة؟ هذه شهرة لا نظير لها ، وكذب لا يخفى على أحد ، وباطل نقطع بأنه لا يمكن البتة أن يعتقده أحد في رأسه شيء من دماغ صحيح ، لأنه لا يمكن أن يكذب الله تعالى في دقيقة ، ولا أن يكذب رسوله صلىاللهعليهوسلم عامدا ولا مخطئا في دقيقة فيقره الله تعالى على ذلك ، فكيف؟ ولا بد أن يسقط من هذه المدة سنّ «فاهاث» إذ ولد له «عمران» وسنّ «عمران» إذ ولد له «موسى» عليهالسلام ، والصحيح الذي يخرّج على نصوص كتبهم : أنّ مدة بني إسرائيل مذ دخل «يعقوب» وبنوه مصر إلى أن خرجوا منها مع «موسى» عليهالسلام ، لم تكن إلا مائتي عام وسبعة عشر عاما ، فهذه كذبة في مائتي عام وثلاثة عشر عاما ، ولو لم يكن في توراتهم إلّا هذه الكذبة وحدها لكفت في أنها موضوعة مبدلة من حمار في جهله ، أو مستخف سخر بهم ولا بد.
فصل
التوراة المحرفة تصف الإله بألفاظ لا تليق
وبعد ذلك قال : وعند ذلك مجد «موسى» و «بنو إسرائيل» بهذه السورة ، وقالوا : مجد بنا السيد فإنه يعظم ويشرف ، وأغرق في البحر الفرس وراكبه ، قوّتي ومديحي للسيّد الذي صار لي مسلما ، هذا إلهي أمجده ، وإله أبي أعظمه ، السيد قاتل كالرجل القادر.
وفي السفر الخامس : «اعلموا أن السيّد إلهكم الذي هو نار أكول».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذه سوأة من السوءات لتشبيه الله عزوجل بالرجل القادر ، ويخبر بأنه نار ، هذه مصيبة لا تجبر ، ولقد قال بعضهم : أليس الله تعالى يقول عندكم : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور : آية ٣٥].
قلت : بلى. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ سأله «أبو ذرّ» : هل رأيت ربك؟. فقال : «نور أنّى أراه» (١).
__________________
(١) رواه مسلم في الإيمان (حديث ٢٩١) والترمذي في تفسير سورة ٥٣ باب ٧ ، وأحمد في المسند (٥ / ١٥٧ ، ١٧١ ، ١٧٥).