كنار آكلة في قرن الجبل يراه جماعة من بني إسرائيل».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا تجسيم لا شك فيه ، وتشبيه لا خفاء به ، وليس هذا كقول الله تعالى :
(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [سورة الفجر : ٢٢].
ولا كقوله تعالى :
(إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [سورة البقرة : ٢١٠].
ولا كقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة في ثلث اللّيل الباقي إلى سماء الدنيا» (١) ، لأن هذا كله على ظاهره بلا تكلف تأويل ، إنما هي أفعال يفعلها الله عزوجل تسمّى مجيئا وإتيانا وتنزلا. ولا مثل قوله تعالى :
(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [سورة الفتح : ١٠](وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [سورة الرحمن : ٢٧].
وسائر ما في القرآن من مثل هذا ، فكله ليس بمعنى الجارحة ، لكن على وجوه ظاهرة في اللغة قد بيناها في غير هذا المكان ، عمدتها أن كل ذلك خبر عن الله تعالى لا يرجع بشيء من ذلك إلى سواه أصلا ، ثم كيف يجتمع ما ذكرنا عن توراتهم مع قوله في السفر الخامس : «كلمكم الله من وسط اللهيب فسمعتم صوته ، ولم تروا له شخصا».
وهاتان قضيتان تكذب كلّ واحدة منهما الأخرى ولا بد.
فصل
التوراة تتهم هارون عليهالسلام بصناعة العجل
وبعد ذلك قال : فلما أطال موسى المقام اجتمع بنو إسرائيل إلى «هارون» وقالوا :
__________________
(١) لفظ الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له». رواه البخاري في التهجد باب ١٤ ، والدعوات باب ١٤ ، والتوحيد باب ٣٥. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها (حديث ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠). وأبو داود في السنّة باب ١٩. والترمذي في الصلاة باب ٢١١ ، والدعوات باب ٧٨. وابن ماجة في الإقامة باب ١٨٢. والدارمي في الصلاة باب ١٦٨. ومالك في القرآن وابن ماجة في الإقامة باب ١٨٢. والدارمي في الصلاة باب ١٦٨. ومالك في القرآن (حديث ٣٠). وأحمد في المسند (٢ / ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٨٢ ، ٤١٠ ، ٤٨٧ ، ٥٠٤).