ويكفي من الردّ عليهم أن يقال لهم : «قولكم إنه لا حقيقة للأشياء» ، أحقّ هو أم باطل؟ فإن قالوا «هو حق» أثبتوا حقيقة ما ، وإن قالوا : «ليس هو حقّا» ، أقرّوا ببطلان قولهم ، وكفوا خصومهم أمرهم.
ويقال للشّكاك منهم ـ وبالله تعالى التوفيق ـ : أشكّكم موجود صحيح منكم أم غير صحيح ولا موجود؟ فإن قالوا : هو موجود صحيح منّا أثبتوا أيضا حقيقة ما ، وإن قالوا : هو غير موجود نفوا الشك وأبطلوه. وفي إبطال الشك إثبات الحقائق أو القطع على إبطالها.
وقد قدّمنا بعون الله تعالى إبطال قول من أبطله فلم يبق إلا الإثبات.
ويقال ـ وبالله التوفيق ـ لمن قال هي حق عند من هي عنده حق ، وهي باطل عند من هي عنده باطل : إن الشيء لا يكون حقا باعتقاد من اعتقد أنه حق ، كما أنه لا يبطل باعتقاد من اعتقد أنه باطل. وإنما يكون الشيء حقا بكونه موجودا ثابتا ، سواء اعتقد أنه حق أو اعتقد أنه باطل. ولو كان غير هذا لكان معدوما موجودا في حال واحدة في ذاته. وهذا عين المحال.
وإذا أقروا بأن الأشياء حق عند من هي عنده حق ، فمن جملة تلك الأشياء التي تعتقد أنها حق عند من يعتقد أن الأشياء حق بطلان قول من قال إن الحقائق باطل ، وهم قد أقروا أن الأشياء حق عند من هي عنده حق ، وبطلان قولهم من جملة تلك الأشياء ، فقد أقروا بأن بطلان قولهم حق ، مع أن هذه الأقوال لا سبيل إلى أن يعتقدها ذو عقل البتة ، إذ حسّه يشهد بخلافها ، وإنما يمكن أن يلجأ إليها بعض المتنطّعين (١) على سبيل الشغب. وبالله تعالى التوفيق.
القسم الثاني
من قال بان العالم لم يزل (٢) وانه لا مدبر له
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : لا يخلو العالم من أحد وجهين : إمّا أن يكون لم يزل أو أن يكون محدثا لم يكن ثم كان. فذهبت طائفة إلى أنه لم يزل وهم الدّهرية ، وذهبت طائفة من الناس إلى أنه محدث.
__________________
(١) التنطع : المغالاة والتكلف (المعجم الوسيط : ص ٩٣٠).
(٢) أي أنه قديم موجود منذ الأزل دون موجد له.