فصل
الإله يستجيب لموسى في العفو عن بني إسرائيل
وفي خلال هذه الفصول ذكر أن الله عزوجل قال لموسى : دعني أغضب عليهم وأهلكهم ، وأقدمك على أمة عظيمة ، وأن موسى رغب إليه وقال له : تذكّر إبراهيم وإسرائيل وإسحاق عبيدك الذين خلقتهم بيدك ، وقلت لهم سأكثر ذريتكم حتى يكونوا كنجوم السماء ، وأورثتهم جميع هذه الأرض التي وعدتهم بها ويملكونها ، فحنّ السيد ولم يتم ما كان أراد إنزاله من المكروه بأمته.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذا الفصل عجائب.
أحدها : إخباره بأن الله تعالى لم يتم ما أراد إنزاله من المكروه بهم ، وكيف يجوز أن يريد الله عزوجل إهلاك قوم قد تقدّم وعده لهم بأمور ولم يتمها لهم بعد؟ وحاش لله من أن يريد إخلاف وعده فيريد الكذب.
وثانيها : نسبتهم البداء (١) إلى الله عزوجل ، وحاش لله من ذلك ، والعجب من إنكار من أنكر منهم النسخ بعد هذا ، ولا نكرة في النسخ لأنه فعل من أفعال الله أتبعه بفعل آخر من أفعاله مما قد سبق في علمه كونه كذلك ، وهذه صفة كل ما في العالم من أفعاله تعالى.
وأما البداء : فمن صفات من يهم بالشيء ثم يبدو له غيره ، وهذه صفة المخلوقين لا (٢) صفة من لم يزل ولا يخفى عليه شيء في المستأنف.
وثالثها : قوله فيها : «ويملكونها» ، وهذا كذب ظاهر ما ملكوها إلّا مدة ثم خرجوا عنها إلى الأبد ، والله تعالى لا يكذب ، ولا يخلف وعده.
فصل
طلب الإله لموسى أن يذهب وقومه لفلسطين
وبعد هذا ذكر أن الله تعالى قال لموسى : اذهب واصعد من هذا الموضع أنت وأمتك التي أخرجت من مصر إلى الأرض التي وعدت بها مقسما «إبراهيم» و «إسحاق»
__________________
(١) انظر الحاشية (٢) صفحة ١٢٠.
(٢) في الأصل : «ولا» والسياق يقتضي حذف الواو.