فنبتدئ بحول الله تعالى وقوته بإيراد كل حجة شغب بها القائلون بأن العالم لم يزل ، وتوفية اعتراضهم بها ، ثم نبين بحول الله تعالى نقضها وفسادها ، فإذا بطل القول بأنه لم يزل وجب القول بالحدوث وصح ، إذ لا سبيل إلى وجه ثالث ، لكنا لا نقنع بذلك حتى نأتي بالبراهين الظاهرة والنتائج الموجبة والقضايا الضرورية على إثبات حدوث العالم.
ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
الاعتراض الأول :
فمما اعترضوا به أن قالوا : لم نر شيئا حدث إلّا من شيء أو في شيء ، فمن ادّعى غير ذلك فقد ادّعى ما لا يشاهد ولم يشاهد.
الاعتراض الثاني :
وقالوا أيضا : لا يخلو محدث الأجسام ـ الجواهر والأعراض ، وهي كل ما في العالم ـ إن كان العالم محدثا من أن يكون أحدثه لأنه (١) ، أو أحدثه لعلّة ، فإن كان أحدثه لأنّه ، فالعالم لم يزل لأنّ محدثه لم يزل إذ هو علة خلقه فالعلّة لا تفارق المعلول ، وما لم يفارق من لم يزل فهو أيضا لم يزل ، إذ هو مثله بلا شك ، فالعالم لم يزل.
وإن كان أحدثه لعلة ، فتلك العلّة لا تخلو من أحد وجهين ، إما أن تكون لم تزل ، وإمّا أن تكون محدثة.
فإن كانت لم تزل فمعلولها لم يزل ، فالعالم لم يزل.
وإن كانت تلك العلة محدثة لزم من حدوثها ما لزم في حدوث سائر الأشياء من أنه أحدثها لأنه ، أو لعلة.
فإن كان لعلة لزم ذلك أيضا في علة العلة ، وهكذا أبدا.
وهذا يوجب وجوب محدثات لا أوائل لها. قالوا : وهذا قولنا.
قالوا : وإن كان أحدثها لأنه ، فهذا يوجب أن العلّة لم تزل. كما بينا آنفا.
__________________
(١) سيتكرر هذا الأسلوب في مواضع أخرى. ويريد أنه أحدثه ـ أي الله تعالى ـ بطريق الفيض كالمرآة التي تنعكس فيها صور الأشياء لا لعلّة. أي أنه حدث بالضرورة.