ماجنا مستخفّا لا دين له سخر منهم بأمثال التيوس والحمير. لأنه إذا خرج وله ثمانون سنة وبقي بعد خروجه سنة وشهرا ، ثم قاتلوا ملوكا عدة وقتلوهم وأخذوا بلادهم وأموالهم ، فقد اجتمع من ذلك ضرورة زيادة على المائة والعشرين سنة أكثر من سنة ولا بد ، والأغلب أنهما سنتان زائدتان ، فكذب ولا بدّ في سنّ موسى إذ مات ، أو كذب الوعد الذي أخبر عن الله تعالى بتيههم أربعين سنة ، حاشا للباري تعالى أن يكذب ، أو أن يغلط في دقيقة أو أقل ، وحاشا لنبيه صلىاللهعليهوسلم من مثل ذلك ، وصحّ أنها مولدة موضوعة.
فصل
طلب موسى من قومه عدم السماع لأدعياء النبوة
ثم ذكر في السفر الخامس فقال : إن طلع فيكم نبي وادّعى أنه رأى رؤيا وأتاكم بخبر ما يكون ، وكان ما وصفه ثم قال لكم بعد ذلك : اتبعوا أبناء آلهة الأجناس فلا تسمعوا له.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذا الفصل شنعة من شنع الدّهر ، وتدسيس كافر مبطل للنبوات كلها ، لأنه أثبت النبوة بقوله : إن طلع فيكم نبي ويصدقه في الأخبار بما يكون ثم أمرهم بمعصيته إذا دعاهم إلى اتباع آلهة الأجناس ، وهذا تناقض فاحش ، ولئن جاز أن يكون نبي يصدق فيما ينذر به يدعو إلى الباطل والكفر ، فلعل موسى صاحب هذه الوصية من أهل هذه الصفة ، وما الذي يؤمننا من ذلك؟ وهل هاهنا شيء يوجب تصديقه واتباعه ويبينه من الكذابين إلا ما صحح نبوته من المعجزات؟ فلما لزمت معصيته إذا أمر بباطل فإن معصية موسى لازمة وغير جائزة في شيء مما أمر به ، إذ لعلّه أمر بباطل إذ كان في الممكن أن يكون نبي يأتي بالمعجزات يأمر بباطل ، وحاشا لله من أن يقول موسى عليهالسلام هذا الكلام. والله ما قاله قط ، ولقد كذب عليه الكذاب المبدل للتوراة. وكذلك حاشا لله من أن يكون نبي من الأنبياء يكذب أو يأمر بباطل ، وحاشا لله أن تظهر آية على يدي من يمكن أن يكذب ، أو يأمر بباطل ، هذا هو التلبيس من الله على عباده ، ومزج الحق بالباطل وخلطهما حتى لا يقوم برهان على تحقيق حق ولا إبطال باطل.
واعلموا أن هذا الفصل من توراتهم ، والفصل الملعون الذي فيه أن السحرة عملوا مثل بعض ما عمل «موسى» عليهالسلام ، فإنهما مبطلان على اليهود المصدقين بهما