ولا يكون الضدّان إلّا عرضين تحت جنس (١) واحد ولا بدّ.
وكل هذا منفي عن الخالق عزوجل ، فبطل بالضرورة أن يكون عزوجل ضدّا لخلقه إذ ليس كلّ خلاف ضدّا ، فالجوهر خلاف العرض من كل وجه ـ حاشا الحدوث فقط (٢) ـ وليس ضدّا له.
ويقال أيضا لمن قال هذا القول : هل تثبت فاعلا وفعلا على وجه من الوجوه؟ أو تنفي أن يوجد فاعل وفعل البتة؟
فإن نفى الفاعل والفعل البتة كابر العيان لإنكاره الماشي والقائم والقاعد والمتحرك والساكن (٣).
ومن دفع هذا كان في نصاب من لا يكلّم (٤).
وإن أثبت الفعل والفاعل فيما بيننا ، قيل له : هل يفعل الجسم إلّا الحركة والسكون؟ فلا بدّ من نعم (٥).
والحركة والسكون خلاف الجسم ـ وليسا ضدّا له ، إذ ليسا معه تحت جنس واحد أصلا ، وإنما يجمعهما وإيّاه الحدوث فقط.
فلو كان كلّ خلاف ضدّا لكان الجسم فاعلا لضدّه ، وهو الحركة أو السكون.
وهذا نفس ما أبطلوا.
فصحّ بالضرورة أنه ليس كل خلاف ضدّا. وصحّ أن الفاعل يفعل خلافه ، لا بدّ من ذلك. فبطل اعتراضهم ، والحمد لله رب العالمين.
إفساد الاعتراض الرابع
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ويقال لمن قال : لا يخلو من أن يكون محدث الأجسام أحدثها لإحراز منفعة ، أو لدفع مضرة ، أو طباعا (٦) أو لا لشيء من
__________________
(١) الجنس هو الذي يجمع الأنواع ، والنوع يجمع الأفراد. فقولنا مثلا «حيوان» هو جنس يجمع تحته أنواعا مثل «الإنسان» فهو نوع ، و «الأسد» وهو نوع ، و «النسر» وهو نوع. ثم هذه الأنواع تجمع تحتها الأفراد ، مثل زيد وعمرو من نوع الإنسان ، أو هذا الأسد وهذا النسر من نوعيهما.
(٢) الجوهر ثابت والعرض متغير.
(٣) أي أنه أنكر أن المشي والقيام والقعود والتحرك .... الخ ، كلها أفعال.
(٤) لأنّه أنكر ما هو ثابت بديهة.
(٥) هذا إذا اعتبرنا أن السكون فعل. ويمكن أن يقال إن الحركة فعل ، والسكون لا فعل.
(٦) أي ضرورة. كما يقول أصحاب نظرية الفيض الذين يعتبرون أن الخلق حدث بالفيض ضرورة