ذلك ، إلى انقضاء كلامهم :
أمّا الفعل لإحراز منفعة أو لدفع مضرة فإنما يوصف به المخلوقون المختارون (١) ، وأمّا فعل الطباع فإنما يوصف به المخلوقون غير المختارين (٢).
وكل صفات المخلوقين فهي منفية عن الله تعالى الذي هو خالق لكل ما دونه.
وأمّا القسم الثالث : وهو أنه فعل لا لشيء من ذلك فهذا هو قولنا (٣).
ثم نقول لمن قال : «إنّ الفعل لا لشيء من ذلك أمر غير معقول» : «ما ذا تعني بقولك غير معقول؟
أتريد أنه لا يعقل حسّا أو مشاهدة؟ أم تقول : إنه لا يعقل استدلالا؟ فإن قلت : إنه لا يعقل حسّا ومشاهدة ، قلنا لك : صدقت ، كما أن أزلية الأشياء لا تعقل حسّا ومشاهدة. وإن قلت : إنه لا يعقل استدلالا. كان ذلك دعوى منك مفتقرة إلى دليل (٤) ، والدّعوى إذا كانت هكذا فهي ساقطة ، فالاستدلال بها ساقط ، فكيف والفعل لا لشيء من ذلك متوهم ممكن متشكل غير داخل في الممتنع (٥). وما كان هكذا فالمانع منه مبطل ، والقول به يعقل. فسقط هذا الاعتراض.
ثم نقول : لما كان الباري تعالى ـ بالبراهين الضرورية ـ خلافا لجميع خلقه من جميع الوجوه ـ كان فعله خلافا لجميع أفعال خلقه من جميع الوجوه ، وجميع خلقه لا يفعل إلا طباعا ، أو لاجتلاب منفعة أو لدفع مضرة ـ فوجب أن يكون فعله تعالى بخلاف ذلك. وبالله التوفيق.
إفساد الاعتراض الخامس
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ويقال لمن قال إنّ ترك الفاعل أن يفعل الأجسام لا يخلو من أن يكون جسما أو عرضا إلى منتهى كلامهم :
__________________
وليس اختيارا.
(١) كالإنسان الذي قد يفعل الفعل وقد لا يفعله لأنه مختار.
(٢) كالملائكة والشياطين ، فالملائكة لا تفعل إلا الخير لأنها طبعت على ذلك ، والشياطين بالعكس.
(٣) فالله تعالى خلق الخلق لا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة ولا ضرورة ، وإنما خلقه لحكمة اقتضتها مشيئته.
(٤) فيقال لهم : أوردوا استدلالكم على ذلك.
(٥) فمن يقول إنه ممتنع فليسق برهانه. وطالما أثبتنا أنه لم يفعل لجلب منفعة أو لدفع مضرة أو طبعا ، يبقى لدينا هذا الاحتمال الأخير ضرورة لأن التقسيم المنطقي عمّ جميع الاحتمالات فلم يبق احتمال آخر.