ابتداء ذكر الأناجيل
قال أبو محمد : وأما الإنجيل وكتب النصارى فنحن إن شاء الله عزوجل موردون من الكذب المنصوص في أناجيلهم ومن التناقض الذي فيها أمرا لا يشك كل من رآه في أنهم لا عقول لهم وأنهم مخذولون جملة.
وأما فساد دينهم فلا إشكال فيه على من له مشكلة عقل ، ولسنا نحتاج إلى تكلف برهان في أن الأناجيل وسائر كتب النصارى ليست من عند الله عزوجل ، ولا من عند المسيح عليهالسلام كما احتجنا إلى ذلك في التوراة والكتب المنسوبة إلى الأنبياء التي عند اليهود ، لأن جمهور اليهود يزعمون أن التوراة التي بأيديهم منزلة من الله عزوجل على موسى عليهالسلام ، فاحتجنا إلى إقامة البرهان على بطلان دعواهم في ذلك. وأما النصارى فقد كفونا هذه المئونة كلها لأنّهم لا يدعون أنّ الأناجيل منزلة من عند الله تعالى على المسيح ، ولا أن المسيح عليهالسلام أتاهم بها ، بل كلهم أولهم عن آخرهم آريوسيهم وملكيهم ونسطوريهم ويعقوبيّهم ومارونيهم وبولقانيّهم لا يختلفون في أنها أربعة تواريخ ألّفها أربعة رجال معرفون في أزمان مختلفة.
فأوّلها تاريخ ألّفه متّى اللّاواني (تلميذ المسيح) بعد تسع سنين من رفع المسيح عليهالسلام وكتبه بالعبرانية في بلد يهوذا بالشام يكون نحو ثمان وعشرين ورقة بخط متوسط.
والآخر تاريخ ألّفه مارقش (١) الهاروني (تلميذ شمعون بن يونا المسمّى باطرة) بعد اثنين وعشرين عاما من رفع المسيح. وكتبه باليونانية في بلد أنطاكية (٢) من بلاد الروم ويقولون : إن شمعون المذكور هو ألّفه ثم محا اسمه من أوله ، ونسبه إلى تلميذه مارقش ، يكون أربع عشرة ورقة بخط متوسط ، وشمعون المذكور تلميذ المسيح.
والثالث تاريخ ألّفه لوقا (الطبيب الأنطاكي تلميذ شمعون باطرة) كتبه باليونانية
__________________
(١) ويسمّى حاليّا إنجيل مرقس.
(٢) أنطاكية : مدينة هي قصبة العواصم من الثغور الشامية من أعيان البلاد وأمّهاتها. بينها وبين حلب يوم وليلة. انظر مراصد الاطلاع (ص ١٢٥) ومعجم البلدان (١ / ٢٦٩).