إنّ هذه قسمة فاسدة بينة العوار (١) ، وذلك أن الجسم هو الطويل العريض العميق (٢) ، وترك الفعل ليس طويلا ، ولا عريضا ، ولا عميقا (٣) ، فترك الفعل من الله تعالى للجسم والعرض ليس جسما ، والعرض هو المحمول في الجسم ، وترك فعل الله تعالى للجسم والعرض ليس محمولا فليس عرضا ، فترك فعل الله تعالى للجسم والعرض ليس جسما ولا عرضا ، وإنما هو عدم ، والعدم ليس معنى ولا هو شيئا ، وترك الله تعالى للفعل ليس فعلا البتة بخلاف صفة خلقه ، لأن الترك من المخلوق للفعل فعل.
برهان ذلك : أن ترك المخلوق للفعل لا يكون إلا بفعل آخر منه ضرورة ، كتارك الحركة لا يكون إلا بفعل السكون. وتارك الأكل ، لا يكون إلا باستعمال آلات الأكل في مقاربة بعضها بعضا ، أو في مباعدة بعضها بعضا ، وبتعويض الهواء وغيره من الشيء المأكول.
وكتارك القيام لا يكون إلا باشتغاله بفعل آخر من قعود أو غيره.
فصحّ أن فعل الباري تعالى بخلاف فعل خلقه ، وأن تركه للفعل ليس فعلا أصلا. فبطل استدلالهم ، وبالله التوفيق.
البراهين الضرورية على إثبات حدوث العالم
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فإذ قد بطل جميع ما تعلقوا به ، ولم يبق لهم شغب أصلا بعون الله وتأييده ، فنحن مبتدئون بتأييده ـ عزوجل ـ في إيراد البراهين الضرورية على إثبات حدوث العالم بعد أن لم يكن ، وتحقيق أن له محدثا لم يزل لا إله إلا هو.
برهان اوّل
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فنقول ـ وبالله التوفيق ـ إن كل شخص في العالم ، وكل عرض في شخص ، وكل زمان ، وكل ذلك متناه ذو أوّل نشاهد ذلك حسا وعيانا ، لأن تناهي الشخص ظاهر بمساحته بأول جرمه وآخره ، وأيضا بزمان وجوده.
__________________
(١) العوار (بضم العين) : العيب (المعجم الوسيط : ص ٦٣٦).
(٢) هذه هي الأبعاد الثلاثة التي يتكون منها الجسم : الطول ، والعرض ، والعمق. أما المسطحات فليس لها سوى بعدين ، وهما الطول والعرض.
(٣) لأن الفعل وترك الفعل من جنس آخر غير جنس الجسم ، كما سبق له أن ذكر ذلك.