وتناهي الزمان موجود باستئناف ما يأتي منه بعد الماضي ، وفناء كل وقت بعد وجوده ، واستئناف آخر يأتي بعده ، إذ كل زمان نهايته الآن (١) ، وهو حد الزمانين فهو نهاية الماضي ، وما بعده ابتداء للمستقبل ، وهكذا أبدا يفنى زمان ويأتي آخر.
وكل جملة من جمل الزمان فهي مركبة من أزمنة متناهية ، ذات أوائل كما قدمنا.
وكل جملة أشخاص فهي مركبة من أشخاص متناهية بعددها ، وذوات أوائل كما قدمنا ، وكل مركب من أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئا غير أجزائه ، إذ الكل ليس هو شيئا غير الأجزاء التي ينحل إليها ، وأجزاؤه متناهية كما بينا ذات أوائل ، فالجمل كلها بلا شك متناهية ذات أوائل ، والعالم كله إنما هو أشخاصه ، ومكانه ، وأزمانها ، ومحمولاتها ، ليس العالم كله شيئا غير ما ذكرناه ، فالعالم كله متناه ذو أول ولا بدّ.
فإن كانت أجزاؤه كلها متناهية ذات أول بالمشاهدة والحس ، وكان هو غير ذي أول. وقد أثبتنا بالضرورة والعقل والحس أنه ليس شيئا غير أجزائه فهو إذا ذو أوّل ، لا ذو أوّل ، وهذا عين المحال.
ويجب من ذلك أيضا أن لأجزائه أوائل محسوسة ، وأجزاؤه ليست غيره وهو غير ذي أول ، فأجزاؤه إذن «لها أول ليس لها أول» وهذا محال وتخليط (٢).
فصحّ بالضرورة أن للعالم أولا ، إذ كل أجزائه لها أول ، وليس هو شيئا غير أجزائه. وبالله تعالى التوفيق.
برهان ثان
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : كل موجود بالفعل فقد حصره العدد ، وأحصته طبيعته.
ومعنى الطبيعة وحدّها : هو أن تقول : الطبيعة هي القوة التي تكون في الشيء ، فتجري بها كيفيات ذلك الشيء على ما هي عليه.
وإن أوجزت قلت : هي قوة في الشيء يوجد بها على ما هو عليه ، وحصر العدد وإحصاء الطبيعة نهاية صحيحة ، إذ ما لا نهاية له فلا إحصاء له ولا حصر له ، إذ ليس
__________________
(١) قوله : «كل زمان نهايته الآن» لعل الصواب أن يقول : «كل زمان مضى نهايته الآن».
(٢) وهو التناقض بعينه.