فلا بد ضرورة من أن يكون عرف أن قول متّى كذب أو عرف أنه حق ، لا بدّ من أحدهما ضرورة.
فإن كان قول متّى كذبا فقد استجاز يوحنا أن يورد الكذب عن صاحبه المقدس ، الذي هو عندهم أكبر من موسى ، ومن سائر الأنبياء عليهمالسلام ، وإن كان قول متّى حقا فقد قصد يوحنا إيراد الكذب فيما أخبر هو به في إنجيله ، لا بدّ من أحدهما ، ولقد كانت هذه وحدها تكفي في بيان أن الأناجيل من عمل كذابين ملعونين ، شاهت وجوههم ، وحاقت بهم لعنة الله تعالى.
فصل
وفي الباب الرابع من إنجيل متّى ، أن المسيح قال لتلاميذه : لا تحسبوا أني أتيت لنقض التوراة وكتب الأنبياء ، إنما أتيت لإتمامها آمين. أقول لكم : إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد «يا» واحدة ، ولا حرف واحد من التوراة ، حتى يتم الجميع فمن حلّل عهدا من هذه العهود الصغيرة وحمل الناس على تحليله ، فسيدعى في ملكوت السموات صغيرا ، ومن أتمه وحضّ الناس على إتمامه فسيدعى في ملكوت السموات عظيما.
وفي الباب السادس عشر من إنجيل متّى : ستحول السموات والأرض ولا يحول كلامي.
قال أبو محمد : وهذه نصوص تقتضي التأبيد وتمنع من النسخ جملة ، ثم لم يمض بعد الفصل الأول المذكور إلا أسطار يسيرة حتى ذكر متّى أنه قال لهم المسيح : قد قيل من فارق امرأته فليكتب لها كتاب طلاق. قال : وأنا أقول لكم : من فارق امرأته إلا لزنا فقد جعل لها سبيلا إلى الزنا ، ومن تزوج مطلقة فهو فاسق. وهذا نقض لحكم التوراة الذي ذكر أنه لم يأت لنقضها لكن لإتمامها.
ثم يحكون عن بولش الملعون أنه نهى عن الختان ، وهو أوكد شرائع التوراة ، وعن شمعون باطرة المسخوط أنه أباح أكل الخنزير ، وكل حيوان وطعام حرمته التوراة ، ثم هم قد نقضوا شرائع التوراة كلها أولها عن آخرها من السبت وأعياد اليهود وغير ذلك ، وهم مع هذا العمل لا يختلفون في أن المسيح وجميع تلاميذه بعده لم يزالوا يلتزمون السبت وأعياد اليهود وفصحهم إلى أن ماتوا على ذلك ، وأن المسيح إنما أخذ ليلة الفصح وهو يفصح على سنة اليهود ، وشريعتهم فكيف هذا ..؟ ولا بد لهم من أن