فكل هؤلاء ملعونون بلعنة الله تعالى. فاعجبوا لضلال هذه الفرقة المخذولة ، فما سمع بأطمّ من هذه الفضائح أبدا.
فصل
وفي الرابع من إنجيل متّى : أن المسيح قال لهم أنا أقول لكم : كل من سخط على أخيه بلا سبب فقد استوجب القتل ، وإن أضرت إليك عينك اليمنى فافقأها وأذهبها عن نفسك ، فذهابها عنك أحسن من إدخال جميع جسدك الجحيم. وإن أضرّت يدك اليمنى إليك فابرأ منها ، فذهابها منك أحسن من إدخال جميع جسدك النّار.
قال أبو محمد : وهذه شرائع يقرّون أن المسيح عليهالسلام أمرهم بها كلهم بلا خلاف من أحد منهم لا يرون القضاء بشيء منها ، فهم على مخالفة المسيح بإقرارهم ، وهم لا يرون الختان ، والختان كان ملة المسيح ، وكان مختونا. والمسيح وتلاميذه لم يزالوا إلى أن ماتوا يصومون صوم اليهود ، ويفصحون فصحهم ، ويلتزمون السبت إلى أن ماتوا ، وهم قد بدّلوا هذا كله ، وجعلوا مكان السبت الأحد وأحدثوا صوما آخر بعد أزيد من مائة عام بعد رفع المسيح ، فكفى بهذا كله ضلالا وكفرا ، وليس منهم أحد يقدر على إنكار شيء من هذا.
فإن قالوا : إن المسيح أمرهم باتباع أكابرهم ، قلنا : لا عليكم ، أرأيتم لو أن بطارقتكم اليوم أجمعوا على إبطال ما أحدثته بطارقتكم بعد مائة عام من رفع المسيح وأحدثوا صياما آخر ويوما آخر غير يوم الأحد وفصحا آخر ، وردّوكم إلى ما كان عليه المسيح من تعظيم السبت وصوم اليهود وفصحهم أكان يلزمكم اتباعهم؟ فإن قالوا : لا ، قلنا : ولم؟ وأي فرق بين اتباع أولئك ، وقد خالفوا ما مضى عليه الحواريّون ، وبين اتباع هؤلاء فيما أحدثوه آنفا؟ فإن قالوا : إن أولئك لعنوا ومنعوا من تبديل ما شرعوا. قلنا لهم : وأيّ لعن وأي منع أعظم من منع المسيح من تبديل شيء من عهود التوراة؟ ثم قد بدّله من أطعتموه في تبديله له ، فقد صار منع من بعد المسيح أقوى من منع المسيح.
وإن قالوا : نعم كنا نتبعهم. أقرّوا أن دينهم لا حقيقة له ، وأنه إنما هو اتباع ما شرعه أكابرهم من تبديل ما كانوا عليه. ويقال لهم : أرأيتم إن أحدث بعض بطارقتكم شرائع وأحدث الآخرون منهم شرائع أخرى ، ولعنت كل طائفة منهم من عمل بغير ما شرعت ، كيف تكون الحال؟ فأيّ دين أنتن وأوسخ ، أو أضل أو أفسد ، من دين هذه