وعصوه ، لأنهم لم يذهبوا إلا إلى الأجناس ، فهم عصاة لله تعالى فساق بإقرارهم.
فصل
وفي هذا الباب نفسه أن المسيح قال لتلاميذه : وإذا طلبتم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى آمّين ، أقول لكم : لا تستوعبوا مدائن بني إسرائيل ، حتى يأتي ابن الإنسان ـ يعني رجوعه إلى الدنيا ـ ظاهرا بعد رفعه إلى جميع الناس.
وفي الباب السابع من إنجيل مارقش ، وفي أول الباب التاسع من إنجيل لوقا ، أن المسيح قال لهم : إن من هؤلاء الوقوف بعض قوم لا يذوقون الموت ، حتى يروا ملك الله مقبلا بقدرة.
قال أبو محمد : وكذب هذا القول قد ظهر علانية ، فقد استوعبوا مدائن بني إسرائيل وغيرها ، ولم يروا ما وعدهم به من رجوعه بالقدرة علانية قبل أن يموت كل من بحضرته يومئذ ، وحاشا لله أن يكذب نبي ، فكيف إله ..؟!! وفي هذا الفصل وحده كفاية لو كان عقل في أن الذين كتبوا هذه الأناجيل كانوا كذابين قوم سوء. فإن قالوا : فإن في صحيح حديثكم : «أن نبيكم صلىاللهعليهوسلم قال وأشار إلى غلام بحضرته من بني النجار : إن استكمل هذا عمره أدرك الساعة ، فمات ذلك الغلام في حد الصبا وأنه كان يقول للأعراب إذا سألوه متى تقوم الساعة؟ فيشير إلى أصغرهم ويقول : إن استكمل هذا عمره لم يأته الموت حتى تقوم الساعة» (١) قلنا : هذا الغلط غلط فيه قتادة ومعبد بن هلال ، فحدثا به عن أنس على ما توهماه من معنى الحديث ، ورواه ثابت بن أسلم (٢) ،
__________________
(١) نصّ الحديث كما ورد في الصحاح عن أنس : أن رجلا من أهل البادية أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال : «ويلك وما أعددت لها؟» قال : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال : «إنك مع من أحببت». فقلنا : ونحن كذلك؟ قال : «نعم». ففرحنا يومئذ فرحا شديدا ، فمرّ غلام للمغيرة وكان من أقراني ، فقال : «إن أخّر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة». رواه البخاري في الأدب باب ٩٥ ، واللفظ له ، والرقاق باب ٤٢. ومسلم في الفتن حديث ١٣٦ ـ ١٣٩. وأحمد في المسند (٣ / ١٩٢ ، ٢١٣ ، ٢٢٨ ، ٢٧٠ ، ٢٨٣).
(٢) كانت في الأصل : «مسلم» والصواب ما أثبتناه. وهو ثابت بن أسلم أبو محمد البصري البناني القرشي المتوفى سنة ١٢٧ ا ه وله من العمر ٨٦ سنة. ثقة عابد من الطبقة الرابعة. أخرج له أصحاب الصحاح الستّة. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٢ / ٢) وتقريب التهذيب (١ / ١١٥) وخلاصة تهذيب الكمال (١ / ١٤٧) والكاشف (١ / ١٧٠) والثقات (٤ / ٨٩) وتاريخ البخاري الكبير (٢ / ١٥٩) وتاريخ البخاري الصغير (١ / ٢٦١ ، ٣١٨) والجرح والتعديل (٢ / ١٨٠٥) وميزان الاعتدال (١ / ٣٦٢) ولسان الميزان (٧ / ١٨٥) وتذكرة الحفاظ (١ / ١٢٥) وحلية الأولياء