البناني عن أنس كما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلفظه فقال : «قامت عليكم ساعتكم» وهكذا رواه الثقات أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلىاللهعليهوسلم كما رواه ثابت عن أنس وقالت : إنه عليهالسلام قال إن هذا لا يستوفي عمره حتى تقوم عليه ساعتكم يعني وفاة أولئك المخاطبين له ، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ، ولا خلاف من أن ثابتا البناني أثقف لألفاظ الأخبار من قتادة ومعبد ، فكيف وقد وافقته أم المؤمنين ...؟ ونحن لا ننكر غلط الراوي إذا قام البرهان على أنه خطأ ، وقد صح في القرآن والأخبار الثابتة من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وابنه وغيرهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه لا يدري أحد متى تقوم الساعة (١) ، غير الله تعالى ، ولو قال النصارى واليهود مثل هذا في نقلة كتبهم ما عنفناهم ، ولا أنكرنا عليهم وجود الغلط في نقلهم ، إنما ننكر عليهم أن ينسبوا ـ يعني اليهود والنصارى ـ إلى الله تعالى الكذب البحت ، ويقطعون أنه من عنده تعالى وننكر على النصارى أن يجعلوا من صح عنه الكذب معصوما ، يأخذون عنه دينهم ، وأن يحققوا كل خبر متناقض وكل قضية يكذّب بعضها بعضا. ونعوذ بالله من الخذلان.
فصل
وفي هذا الباب نفسه أن المسيح قال لهم : لا تحسبوا أني جئت لأدخل بين أهل الأرض الصلح إلا السيف وإنما قدمت لأفرق بين المرء وزوجه وابنه ، وبين الابنة وأمها ، وبين الكنّة وختنتها ، وأن يعادي المرء أهل خاصته.
وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم : إنما قدمت لألقي في الأرض نارا وإنما إرادتي إشعالها ولنغطس فيها جميعها ، وأنا بذلك منتصب إلى تمامه أتظنون أني أتيت لأصلح بين أهل الأرض؟ ولكن لأفرق بينهم فيكون خمسة مفترقين في بيت ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة ، الأب على الولد والولد على الأب والابنة على الأم والأم على الابنة ، والختنة على الكنة والكنة على الختنة. فهذان فصلان كما ترى.
__________________
(٢ / ٣١٨) وسير أعلام النبلاء (٥ / ٢٢٠) والوافي بالوفيات (١٠ / ٤٦١).
(١) قال تعالى في سورة الأعراف الآية ١٨٧ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).