قال أبو محمد : تأملوا هذا الفصل تروا مصيبة الدهر فيهم ، وقرة عيون الأعداء ، وقولا لا يمكن أن يقوله ولا ينطق به صبيّ يرجى فلاحه ، ولا أمة وكفاء (١) إلا أن تكون مدخولة العقل. أثبت أنه لم يولد في الآدميين أشرف من يحيى وإذا كان كما زعم أن الصغير في ملكوت السماء أكبر من يحيى ، فكل مؤمن يدخل ملكوت السماء ضرورة فهو أفضل من يحيى ، فوجب من هذا أن كل مؤمن من بني آدم فهو أفضل من يحيى ، وأن يحيى أرذل وأصغر من كان مؤمن. فما هذا الهوس ..؟ وما هذا الكذب وما هذا العبارة (٢) السمجة في الدين ..؟ وكم هذا التناقض ..؟ والله ما قال المسيح قط شيئا من هذه الرعونة ، وما قالها إلا الكذاب متّى ونظراؤه عليهم اللعنة ، فلقد كانوا في غاية الوقاحة والاستخفاف بالدين.
فصل
وفي الباب المذكور : أن المسيح قال لهم : كل كتاب ونبوة فإن منتهاها إلى يحيى.
قال أبو محمد : في هذا الفصل كذبتان على صغره. إحداهما : قوله قيل : إن يحيى أكثر من نبي مع ما في الإنجيل من أن يحيى سئل فقيل له أنبيّ أنت؟ قال : لا. وقال هاهنا : إن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى ، فمرة ليس هو نبيا ، ومرة هو نبي الأنبياء ، ومرة هو أكثر من نبي ، تبارك الله كم هذا التخليط والكذب الفاحش ..؟!!
والأخرى قوله فيه : إن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى ، وليس بعد النهاية نبي فهو على هذا آخر الأنبياء.
وفي الباب الرابع عشر من إنجيل متّى : أن المسيح قال لهم : أنا باعث إليكم أنبياء وعلماء وستقتلون منهم وتصلبون. فقد كذب بأن يحيى آخر الأنبياء ، ومنتهى النبوة إليه ، والنصارى مقرّون بأنه قد كان بعده الأنبياء ، وأن نبيا أتى إلى بولش وأنذره بأنه سيصلب. ذكر ذلك لوقا في الافركسيس. فقد حصلوا على تكذيب المسيح في قوله وفي بعض هذا كفاية.
__________________
(١) الوكفاء : الواقعة في العيب والإثم. وفي نسخة أخرى : «وكعاء» بالعين ، والوكعاء : الحمقاء. انظر المعجم الوسيط (ص ١٠٥٤).
(٢) كذا في الأصل ، ولعل معناها «العار» وهو كل ما يلزم منه سبّة أو عيب (المعجم الوسيط : ص ٦٣٩). وفي نسخة أخرى «الغباوة» وهي أنسب بالمقام.