فصل
وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم : أتاكم يحيى وهو لا يأكل ، ولا يشرب ، فقلتم هو مجنون ، ثم أتاكم ابن الإنسان يعني نفسه فقلتم : هذا جوّاف (١) شروب الخمر ، خليع صديق المستخرجين والمذنبين.
قال أبو محمد : في هذا كذب وخلاف للنصارى ، أما الكذب ، فإنه قال هاهنا : إن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب ، حتى قيل فيه : إنه مجنون من أجل ذلك.
وفي الباب الأول من إنجيل مارقش : أن يحيى بن زكريا عليهماالسلام هذا كان طعامه الجراد والعسل الصحراوي وهذا تناقض ، وأحد الخبرين كذب بلا شك. وأما خلاف قول النصارى فإنه ذكر أن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب ، وأن المسيح كان يأكل ويشرب ، بلا شك من أغناه الله عزوجل عن الأكل والشرب من الناس فقد أبانه ورفع درجته على من لم يغنه عن الأكل والشرب منهم ، فيحيى أفضل من المسيح بلا شك على هذا.
وقصة ثالثة : وهي اعتراف المسيح على نفسه بأنه يأكل ويشرب ، وهو عندهم إله فكيف يأكل الإله ويشرب؟ ما في الهوس أكثر من هذا. فإن قالوا : إن الناسوت منه هو الذي كان يأكل ويشرب. قلنا : وهذا كذب منكم على كل حال ، لأنه إذا كان المسيح عندكم لاهوتا وناسوتا معا فهو شيئان ، فإن كان إنما أكل الناسوت وحده فإنما أكل الشيء الواحد من جملة الشيئين ، ولم يأكل الآخر ، فقولوا : إذا أكل نصف المسيح ، وشرب نصف المسيح ، وإلا فقد كذبتم في كل حال ، وكذب أسلافكم في قولهم أكل المسيح ، ونسبتم إلى المسيح الكذب في خبره عن نفسه أنه يأكل ، وإنما يأكل نصفه لا كلّه ، والقوم أنذال بالجملة.
فصل
وفي الباب المذكور أن المسيح قال : لا يعلم الولد غير الأب ، ولا يعلم الأب غير الولد. قال أبو محمد : هذا عجب جدا ، لأن المسيح عندهم ابن الله بلا خلاف منهم ، والله ـ تعالى عن كفرهم ـ هو والد المسيح وأبوه ، وهكذا يطلق النذل باطرة في رسائله
__________________
(١) كذا في الأصل. ولعلها من الجوف ، يريد أنه كثير الأكل وشرب الخمر. أو لعلها «مجوّف» ورجل مجوّف : جبان لا قلب له (المعجم الوسيط : ص ١٤٨).