صدّقنا أن من يلعب بعذرة وما يخرج من أسفله يصدّق بشيء من هذا الحمق ، ولكن تبارك من أرادنا بهذا أنه لا ينتفع أحد ببصره ولا بسمعه ولا بتمييزه إلّا أن يهديه خالق الهدى والضلال. نسأل الله الذي هدانا لملّة الإسلام البيضاء الواضحة السليمة من كل ما ينافره العقول ، ألا يضلّنا بعد إذ هدانا حتى نلقاه على ملّة الحق ، ونحلة الحق ، ومذهب الحق ، ناجين من ملل الكفر ، ونحل الضلال ، ومذاهب الخطاء.
وكلّ ما أوردناه بيان واضح ، في أنّ الذين ألّفوا الأناجيل كانوا عيّارين (١) ، مستخفّين بمن أضلّوه ، متلاعبين بالدّين.
والثانية : إقرارهم بأن المسيح لم يكن يقوى في ذلك المكان على آية ، ولو كان لهم عقل لعلموا أن هذه ليس صفة إله يفعل ما يشاء ، بل صفة عبد مخلوق مدبّر لا يملك من أمره شيئا ، كما قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم :
(قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [سورة الأنعام : ١٠٩].
الثالثة : إقرارهم أن المسيح عليهالسلام سمعهم ينسبونه إلى ولادة الحدّاد ، وأنه أبوه ، ولم ينكر ذلك عليهم.
فقد حققوا عليه أحد شيئين لا ثالث لهما البتة : إمّا أنه سمع الحق من ذلك فلم ينكره ، وفي هذا ما فيه من خلاف قولهم جملة.
وإمّا أنه سمع الباطل والكذب فأقرّ عليه ولم ينكره. وهذه صفة سوء وتلبيس في الدين.
قال أبو محمد : وفي هذه الفصول مما لم يطلق الله تعالى أيديهم على تبديله من الحق قوله : «لا يعدم النبي حرمته إلّا في وطنه وأهل بيته».
فيا عقول الأطفال ، ويا أدمغة الإوزّ : لو عقلتم أما كنتم تقولون فيه ما قال في نفسه ، وما يشهد العيان بصدقه وصحته فيه ، وتتركون الرعونة التي لم تقدروا منذ ألف عام بيان ما تعتقدونه منها بقلوبكم ، ولا قدرتم على العبارة عنها بألسنتكم؟ وكلما رمتم وجها من وجوه النّوك (٢) انفتق عليكم باب لا قبل لكم به ونعوذ بالله من الضلال.
فصل
وفي الباب السادس عشر من إنجيل «متّى» أن المسيح قال لباطرة : «إليك أبرأ
__________________
(١) جمع عيّار : وهو الذي يخلّي نفسه وهواها لا يردعها ولا يزجرها (المعجم الوسيط) ص ٦٣٩.
(٢) النّوك : الحمق (المرجع السابق : ص ٩٦٤).