بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله على جزيل نعمائه وكريم آلائه ، والصلاة والسلام على عبده ونبيّه محمد بن عبد الله الذي أكرمه بالرسالة وحمّله الأمانة ، فكان خير مبلّغ وأصدق محدّث ، وعلى آله الكرام البررة المطهّرين ، وأصحابه الجاهدين المجاهدين المنتجبين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فقد اهتمّ المسلمون بدراسة الأديان والمذاهب اهتماما لم يسبقهم إليه أحد من الأمم الأخرى ، فوضعوا في ذلك كتبا ورسائل مطوّلة ومختصرة ، عامّة وخاصة ، في الردّ على أصحاب المذاهب ونقض معتقداتهم وأقوالهم. فمن الكتب العامّة «كتاب مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري ، وألّف عبد القاهر البغدادي كتابه «الفرق بين الفرق» كما ألّف أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني كتابه «الملل والنحل». أما الكتب الخاصّة بالردّ على طائفة من الطوائف ، فمنها كتاب «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة» للبيروني ، والكتب الكثيرة التي وضعت في الردّ على النصارى واليهود ، أو في ردّ بعض الفرق الإسلامية على بعضها الآخر.
غير أن كتاب «الفصل في الملل والأهواء والنحل» للإمام ابن حزم الأندلسي الظاهري ، يمتاز عن غيره من الكتب التي ألّفت في هذا الموضوع بميزة جعلته فريدا في بابه ، هذه الميزة هي الالتزام الصارم بقواعد الجدل والحجاج ، من عرض حجج الخصوم عرضا مجردا واستيفائها استيفاء وافيا ، ومن ثمّ الردّ عليها ونقضها واحدة واحدة ، إما من العقل فيما يتعلّق بالطوائف التي لا تدين بالإسلام ، أو من العقل والنقل معا فيما يتعلق بالذين يدينون به. مع التزامه في كل ذلك الوضوح التام واجتنابه التعقيد في طرح المسائل التي يعرضها. يقول في مقدمة كتابه «الفصل» :
«إنّ كثيرا من الناس كتبوا في افتراق الناس في دياناتهم ومقالاتهم كتبا كثيرة جدا ، فبعضهم أطال وأسهب وأكثر وهجّر واستعمل الأغاليط والشغب ، فكان ذلك شاغلا عن الفهم وقاطعا دون العلم ، وبعض حذف وقصّر وقلّل واختصر وأضرب عن كثير من قويّ معارضات