مطلب بيان كروية الأرض
قال أبو محمد : وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به ، وذلك أنهم قالوا : إنّ البراهين قد صحّت بأن الأرض كروية والسماء كذلك ، والعامة تقول غير ذلك ، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أنّ أحدا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة ، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها.
قال الله عزوجل : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) [سورة الزمر : ٥].
وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض ، مأخوذ من كور العمامة ، وهو إدارتها ، وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك ، وهي التي يكون منها ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها ، وهي آية النهار بنص القرآن ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [سورة الإسراء : ١٢].
فيقال لمن أنكر ما جهل من ذلك من العامّة : أليس إنما افترض الله عزوجل علينا أن نصلي الظهر إذا زالت الشمس؟ فلا بدّ من بلى. فيسألون عن معنى زوال الشمس فلا بدّ من أنه إنما هو انتقال الشمس عن مقابلة من قابل بوجهه القرص ، واستقبل بوجهه وأنفه وسط المسافة ، التي بين مكان طلوع الشمس ، وبين موضع غروبها في كل زمان وكل مكان ، وأخذها إلى جهة حاجبه الذي يلي موضع غروب الشمس ، وذلك إنما هو في أول النصف الثاني من النهار ، وقد علمنا أن المدائن من معمور الأرض آخذة على أديمها من مشرق إلى مغرب ، ومن جنوب إلى شمال فيلزم من قال : إنّ الأرض منتصبة الأعلى غير مكوّرة ـ أنّ كل من كان ساكنا في أول المشرق ، أن يصلي الظهر في أول النهار ضرورة ، ولا بدّ إثر صلاة الصبح بيسير ، لأن الشمس بلا شك تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم في أول النهار ضرورة ولا بدّ ، إن كان الأمر على ما يقولون.
ولا يحل لمسلم أن يقول : إنّ صلاة الظهر تجوز أن تصلّى في الوقت المذكور