ممنوعون من السماء بالرّجوم ، فصح أنّ الرجوم دون السماء ، وأيضا فإن تلك الرجوم ليست نجوما معروفة وإنما هي شهب ونيازك من نار ، تتكوكب وتشتعل وتطفأ ، ولا نار في السماوات أصلا ، فلم نجد الاختلاف إلا في الأسماء لاختلاف اللغات ، وقد اعترض القاضي منذر بن سعيد (١) على رأي «أرسطاطاليس» في الآثار العلوية : أن السماوات بزعمه مملوءة نارا هذا فجعل الأفلاك غير السماوات ، والسماوات فوقها وقال : لو كانت السماوات محيطة بالأرض لكان بعض السماوات تحت الأرض.
قال أبو محمد : وهذا ليس بشيء لأن التحت والفوق من باب الإضافة لا يقال في شيء تحت إلّا وهو فوق لشيء آخر ، حاشا مركز الأرض ، فإنه تحت مطلق لا تحت له البتة ، وكذلك كل ما قيل فيه إنه فوق فهو أيضا تحت لشيء آخر ، حاشا الملائكة الذين على الصفحة العليا من الفلك الأعلى المقسوم بقسمة البروج ، فإنها فوق لا فوق لها البتة ، فالأرض على هذا البرهان للشاهد هي مكان التحت للسماوات ضرورة ، فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ، ومن حيث قابلتها الأرض فالأرض تحت السماء ولا بدّ ، وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ، ورجلاه إلى الأرض ، وقد قال الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [سورة نوح : ١٥ ، ١٦].
وقال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) [سورة الفرقان : ٦١] فأخبر الله تعالى إخبارا لا يردّه إلا كافر بأن القمر في السماء ، وأن الشمس أيضا في السماء ، ثم قد قام البرهان الضروري المشاهد بالعيان على دورانها حول الأرض من مشرق إلى مغرب ، ثم من مغرب إلى مشرق ، فلو كان على ما يظن أهل الجهل لكانت الشمس والقمر إذا دارا بالأرض وصارا فيما يقابل صفحة الأرض التي لسنا عليها قد خرجا عن السماء ، وهذا تكذيب لله تعالى ، فصح
__________________
(١) هو أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي قاضي الجماعة بقرطبة ، ينسب إلى قبيلة يقال لها كزنة ، وهو من موضع قريب من قرطبة يقال له فحص البلّوط. كان فقيها محققا وخطيبا بليغا مفوّها. له تصانيف منها : كتاب الإنباه عن الأحكام من كتاب الله ، وكتاب الإبانة عن حقائق أصول الديانة. ولد سنة ٢٦٥ ، وتوفي سنة ٣٥٥ ه. انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (٢ / ١٤٤) وجذوة المقتبس (ص ٣٤٨) وبغية الملتمس (ص ٤٦٥) ومعجم الأدباء (١٩ / ١٧٤) ومعجم البلدان (١ / ٤٩٢) وإنباه الرواة (٣ / ٣٢٥) وسير أعلام النبلاء (١٦ / ١٧٣) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ٦٦) وبغية الوعاة (٢ / ٣٠١) وشذرات الذهب (٣ / ١٧) وغيرها.