الجنة ، وفوق ذلك عرش الرّحمن» (١).
فصح يقينا أنهما جنتان : إحداهما عرضها السماوات والأرض. والأخرى : عرضها كعرض السماء والأرض.
وقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [سورة الرحمن : ٤٦].
إنما هو خبر عن الجميع أن لهم هاتين الجنتين ، فالتي عرضها السماوات والأرض هي السماوات السبع ، لأنّ عرض الشيء منه بلا شك ، وكل كروي فإنّ جميع أبعاده عروض فقط. وذكرت الأرض هنا لدخولها في جملة مساحة السماوات ، وإحاطة السماوات بها. والتي عرضها كعرض السماء والأرض : هو الكرسي المحيط بالسماوات والأرض ، قال الله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [سورة البقرة : ٢٥٥].
فصح أنّ عرضه كعرض السماوات والأرض مضافا بعض ذلك إلى بعض وصحّ أن لها ثمانية أبواب في كلّ سماء باب ، وفي الكرسيّ باب ، وصحّ أنّ العرش فوق أعلى الجنة فهو محل الملائكة وموضعها ليس من الجنة في شيء بل هو فوقها ، وكذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [سورة غافر : ٧] بيان جليّ بأن العرش جرم آخر فيه الملائكة.
وقد ذكر بأنّ البرهان يقوم بذلك من أحكم النظر في الهيئة. وهذه نصوص ظاهرة جلية دون تكلف تأويل.
قال أبو محمد : وقوله تعالى : (كَعَرْضِ السَّماءِ).
ذكر لجنس السماوات ، لأنّ السماوات اسم للجنس يدل عليه قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).
وقال «عليّ» (٢) : ومثل هذا كثير ممّا إذا تدبّره المتدبر علم صحّة ما قلنا من أنّ ما يثبت ببرهان فهو منصوص في القرآن وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم.
كذب من ادّعى لمدّة الدّنيا عددا معلوما
قال أبو محمد : وأما اختلاف الناس في التاريخ ، فإنّ اليهود يقولون : للدنيا أربعة آلاف سنة. والنصارى يقولون : للدنيا خمسة آلاف سنة ، وأمّا نحن فلا نقطع على علم
__________________
(١) انظر تخريجه في الحاشية (١) صفحة ٣٥٣.
(٢) هو المصنف علي بن أحمد ابن حزم. وهذه هي المرة الأولى التي يرد فيها بالاسم دون الكنية.