ولو أتانا نصّ بتسميته تعالى جسما لوجب علينا القول بذلك ، وكنا حينئذ نقول : إنه جسم لا كالأجسام ، كما قلنا في عليم وقدير ، وحي ، ولا فرق. وأمّا لفظه شيء فالنص أيضا جاء بها والبرهان أوجبها على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وقالت طائفة منهم إنه تعالى نور واحتجوا بقول الله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور : ٣٥].
قال أبو محمد : ولا يخلو النور من أحد وجهين إمّا أن يكون جسما ، وإما أن يكون عرضا ، وأيّهما كان فقد قام البرهان على أنه تعالى ليس جسما ولا عرضا ، وأمّا قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنّما معناه «هدى الله بتنوير النفوس ، إلى نور الله تعالى في السماوات والأرض». وبرهان ذلك أنه عزوجل أدخل في جملة ما أخبر : أنه نور له فلو كان الأمر على أنه النّور المضيء المعهود لما خبا الضياء ساعة من ليل أو نهار البتة ، فلما رأينا الأمر بخلاف ذلك علمنا أن الأمر بخلاف ما ظنّوه.
قال أبو محمد : ويبطل قول من وصف الله تعالى بأنه جسم ، وقول من وصفه بحركة ـ تعالى عن ذلك ـ أن الضرورة توجب أن كل متحرك فذو حركة ، وأنّ الحركة لمتحرّك بها ، وهذا من باب الإضافة والصّورة في المتصوّر لمتصوّر ، وهذا أيضا من باب الإضافة ، فلو كان كلّ مصوّر متصورا ، وكل محرّك متحركا لوجب وجود أفعال لا أوائل لها ، وهذا قد أبطلناه فيما خلا من كتابنا بعون الله تعالى لنا وتأييده إيّانا ، فوجب ضرورة وجود محرّك ليس متحركا ومصوّر ليس متصوّرا ضرورة ولا بدّ. وهو الباري تعالى محرّك المتحرّكات ومصوّر المتصورات ، لا إله إلّا هو ، وكل جسم فذو صورة ، وكلّ ذي حركة فذو عرض محمول فيه ، فصحّ أنه تعالى ليس جسما ولا متحركا ، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فقد قدمنا أنّ الحركة والسكون مدّة ، والمدّة زمان ، وقد بينا فيما خلا من كتابنا أن الزمان محدث ، فالحركة محدثة ، كذلك السكون ، والباري تعالى لا يلحقه الحدث إذ لو لحقه لكان محدثا ، فالباري تعالى غير متحرك ولا ساكن.
وأيضا فإنّ الجسم إنما يفعل آثارا في جسم فقط ، ولا يفعل الأجسام ، فالباري تعالى إذن على قول المجسّمة إنما هو فاعل آثار في الأجسام فقط لا فاعل أجسام العالم ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
فإن قالوا : فإنّكم تسمّونه فاعلا وتسمّون أنفسكم فاعلين ، وهذا تشبيه. قلنا له ـ وبالله تعالى التوفيق ـ : لا يوجب ذلك تشبيها ، لأن التشبيه إنما يكون بالمعنى الموجود