حدوث شيء في المستحيل لم يكن فيه قبل ذلك ثم صار فيه مستحيلا عن صفته المحمولة عليه إلى غيرها.
وهذا المعنى منفي عن الله تعالى ، أي أنه تعالى يجل عن أن يكون حاملا لصفة فيه. بل بذاته لم يفعل إن كان غير فاعل ، وبذاته فعل إن فعل ، ولا علة لما فعل ، ولا علّة لما لم يفعل.
وأيضا : فإنّ الذي لم يزل هو الذي لا فاعل له ، ولا مخرج له من عدم إلى وجود ، فلو كان العالم لم يزل لكان لا مخرج له ولا فاعل له.
وقد أقرّ أهل هذه المقالة بأنّ العالم لم يزل ، وأن له فاعلا لم يزل يفعل وهذا عين المحال والتخليط والفساد. وبالله تعالى التوفيق.
القسم الرابع
باب الكلام على من قال إن للعالم خالقا لم يزل ، وإن النفس والمكان المطلق
الذي هو الخلاء والزمان المطلق الذي هو المدة لم تزل
موجودة ، وأنها غير محدثة
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : والنفس عند هؤلاء جوهر قائم بنفسه ، حامل لأعراضه لا متحرك ، ولا منقسم ، ولا متمكن أي لا في مكان.
وقد ناظرني قوم من أهل هذا الرأي ، ورأيته كالغالب على ملحدي أهل زماننا ، فألزمتهم إلزامات لم ينفكوا عنها ، أظهرت بطلان قولهم بعون الله تعالى وقوّته. ولم نر واحدا ممن تكلم قبلنا ذكر هذه الفرقة ، فجمعت ما ناظرتهم به وأضفت إليه ما وجبت إضافته إليه مما فيه تزييف قولهم. وما توفيقنا إلّا بالله تعالى.
وهذا الزمان والمكان عندهم هما غير الزمان والمكان المعهودين عندنا لأن المكان المعهود عندنا : هو المحيط بالمتمكّن فيه من جهاته أو من بعضها.
وهو ينقسم قسمين :
إمّا مكان يتشكل المتمكّن فيه بشكله كالبرى (١) ، أو الماء في الخابية ، أو ما أشبه ذلك.
__________________
(١) البرى : التراب (المعجم الوسيط : ص ٥٣).