شيء منافيا للعقول ، بل هو كله قبل أن يخبرنا الله به في حدّ الإمكان عندنا ، ثم إذا أخبر به عزوجل صار واجبا حقا يقينا ، وقد قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [سورة غافر : ٧].
فصحّ يقينا أنّ للعرش حملة ، وهم الملائكة المنفذون لأمره تعالى ، كما نقول : أنا أحمل هذا الأمر أي أقوم به وأتولّاه ، وقد قال تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [سورة النحل : ٥٠] وأنهم يتنزلون بالأمر. وأما الحامل للكل والممسك للكل فهو الله تعالى عزوجل ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر : ٤١].
الكلام في العلم
قال الله عزوجل : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [سورة النساء : ٦٦].
فأخبر تعالى : أن له علما ، ثم اختلف الناس في علم الله تعالى فقال جمهور المعتزلة : إطلاق العلم لله تعالى إنما هو مجاز لا حقيقة ، وإنما معناه : أنه لا يجهل.
وقال سائر الناس : إنّ لله تعالى علما حقيقة لا مجازا ، ثم اختلف هؤلاء فقال جهم بن صفوان وهشام بن الحكم (١) ، ومحمد بن عبد الله بن مسرة الجيلي (٢) وأصحابهم : إنّ علم الله تعالى هو غيره ، وهو محدث مخلوق ، سمعنا ذلك ممن جالسناه منهم ، وناظرناهم عليه.
وقالت طوائف من أهل السنة : علم الله تعالى غير مخلوق لم يزل ، وليس هو الله ، ولا هو غير الله.
وقال الأشعري في أحد قوليه : لا يقال هو الله ، ولا يقال هو غير الله.
__________________
(١) هو هشام بن الحكم الكوفي المشبّه ، قال إسحاق النديم : هو من أصحاب جعفر الصادق ، هذّب المذهب وفتق الكلام في الإمامة ، وكان حاذقا حاضر الجواب. ثم سرد أسماء كتبه ، منها في الردّ على المعتزلة وفي التوحيد وغير ذلك. انظر ترجمته في الفهرست (ص ٢٢٣) ولسان الميزان (٦ / ١٩٤) وسير الأعلام (١٠ / ٥٤٣) وسمط اللآلي (ص ٨٥٥) وأمالي المرتضى (١ / ١٧٦).
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسرّة المتصوف الأندلسي المتوفى سنة ٣١٩ ه. انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (٢ / ٣٩) وجذوة المقتبس (ص ٦٣) وبغية الملتمس (ص ٨٨).