الكلام في سميع بصير وفي قديم
قال أبو محمد : وأجمع المسلمون على أن القول بما جاء به القرآن من أنه تعالى : سميع بصير ، ثم اختلفوا فقالت طائفة من أهل السنّة والأشعرية ، وجعفر بن حرب (١) من المعتزلة ، وهشام بن الحكم ، وجميع المجسمة ـ نقطع أنّ الله سميع بسمع بصير ببصر.
وذهبت طوائف من أهل السنة منهم : الشّافعي ، وداود بن علي الأصفهاني إمام أهل الظاهر ، وعبد العزيز بن مسلم الكناني (٢) رضي الله عنه ، وغيرهم ـ إلى أن الله سميع بصير ، ولا نقول بسمع ولا ببصر ، لأن الله تعالى لم يقله ، ولكن سميع بذاته ، بصير بذاته.
قال أبو محمد : وبهذا نقول. ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم يأت به نصّ لما ذكرنا آنفا من أنه لا يجوز أن يخبر عنه تعالى إلّا بما أخبر به عن نفسه.
واحتجّ من أطلق على الله تعالى السمع والبصر بأن قال : لا يعقل السميع إلا بسمع ولا البصير إلا ببصر. ولا يجوز أن يسمّى بصيرا إلا من له بصر ، ولا يسمّى سميعا إلّا من له سمع.
واحتجوا أيضا في هذا وما ذهبوا إليه «من أنّ الصفات متغايرة» ـ بأنه لا يجوز أن يقال إنه تعالى يسمع المبصرات ، ولا أنه يبصر المسموعات من الأصوات. وقالوا : هذا لا يعقل.
قال أبو محمد : وكلا هذين الدليلين شغبي فاسد.
__________________
(١) هو أبو الفضل جعفر بن حرب الهمذاني المعتزلي. كان من نسّاك القوم ، وله تصانيف. يقال إنه حضر عند الواثق للمناظرة ، ثم حضرت الصلاة ، فتقدم الواثق فصلّى بهم وتنحّى جعفر ، فنزع خفّه وصلّى وحده ، وكان قريبا من يحيى بن كامل ، فجعلت دموع ابن كامل تسيل خوفا على جعفر من القتل ، فكاشر عنها الواثق ، فلما خرجوا قال له ابن أبي دؤاد : إن هذا السبع لا يحتملك على ما صنعت فإن عزمت عليه فلا تحضر المجلس. قال : لا أريد الحضور. فلما كان المجلس الآتي تأملهم الواثق ، قال : أين الشيخ الصالح؟ قال ابن أبي دؤاد : إنه به السلّ ويحتاج أن يضطجع ، قال : فذاك. قال ابن النديم : توفي سنة ٢٣٦ ه ، عن نحو ستين سنة. وله كتاب «متشابه القرآن» وكتاب «الاستقصاء» وكتاب «الردّ على أصحاب الطبائع» وكتاب «الأصول». انظر ترجمته في الفهرست (ص ٢١٣) وتاريخ بغداد (٧ / ١٦٢) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٤٩) ولسان الميزان (٢ / ١١٣) ومروج الذهب (٧ / ٢٣١).
(٢) هو عبد العزيز بن يحيى بن مسلم الكناني المكي المتوفى سنة ٢٤٠ ه. انظر ترجمته في الأعلام للزركشي (٥ / ٢٧٠).