ولقد قال لي بعضهم : إنما قلنا : إن الله تعالى يكيد ، ويستهزىء ويمكر ، وينسى ، وهو خادعهم ، وتشبيههم بأنه تعالى يقارضهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمى بأسمائها.
فقلت له : نعم. هكذا نقول ، ولم ننازعك في هذا فتستريح إليه ، بل قلنا لكم سمّوه تعالى : مستهزئا ، وكيّادا ، وخدّاعا ، وماكرا ، وناسيا ، وساخرا على معنى أنه مقارضهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمى بأسمائها كما قلتم في الأفعال سواء بسواء.
وقد قلتم : إنّ الأفعال توجب لفاعلها أسماء فعلها ولا فرق. فسكت خاسئا. وهذا ما لا انفكاك منه. وبهذا وبما ذكرنا يعارض كل من قال : إننا سمّينا الله عزوجل عالما لنفي الجهل ، قادرا لنفي العجز ، متكلما لنفي الخرس ، وحيّا لنفي الموت ، لأنهم لا ينفكّون من هذا البتة.
وأمّا نحن فلو لا النص الوارد ب «عليم» و «قدير» ، وعالم الغيب والشهادة ، وقادر على أن يخلق مثلهم ، والحي ـ لما جاز أن يسمى تعالى بشيء من هذا أصلا ولا يجوز أن يقال حيّ بحياة البتة.
فإن قالوا : كيف يكون حيّ بلا حياة؟
قلنا لهم : وكيف يكون حيّ غير حسّاس ، ولا متحرك بإرادة ، ولا ساكن بإرادة ..؟ هذا ما لا يعقل البتة ، ولا يعرف ولا يتوهم ، ولا يجرون عليه تعالى الحسّ ولا الحركة ولا السكون.
فإن قالوا : إنّ تسميتنا إيّاه حكيما يغني عن «عاقل» وكريما يغني عن سخيّ وجبارا متكبرا يغني عن متجبر ، ومستكبر ، وتياه وزاه ، وقويا يغني عن شجاع وجلد.
قلنا : هذا ترك منكم لما أصّلتموه من إطلاق السمع والبصر والحياة والإرادة وأنه متكلم. واحتجاجك : بأن من كان سميعا لا بدّ له من سمع ، ومن كان بصيرا لا بدّ له من بصر ، ومن كان حيا لا بدّ له من حياة ، ومن كان مريدا فلا بدّ له من إرادة ، ومن كان له كلام فهو متكلم فأطلقتم كل هذا على الله تعالى بلا برهان.
فإذا ناب عندكم ما ورد به النص من حكيم وقويّ وكريم ومتكبر وجبار عن عاقل وشجاع وسخي ومتجبر ومستكبر وتيّاه وزاه ـ فلم تجيزون أن تسمّوا الباري عزوجل بشيء من هذا؟ فكذلك فقولوا كما قلنا نحن إن سميعا ، وبصيرا وحيا ، وله كلام ، ويريد ، يغني عن تجويز ذكر السمع ، والبصر والإرادة ، ومتكلم ولا فرق.