هذا على أن قولكم : إنّ قويا يغني عن شجاع خطأ ، فرب قوي غير شجاع ، وشجاع غير قوي. وكذلك أيضا كان الرحمن يغني عن الرّحيم ، والخالق يغني عن الباري وعن المصوّر.
فإن قالوا : لا يجوز الاقتصار على بعض ما أتى به النص ، ولا يجوز التعدّي إلى ما لم يأت به النص.
قلنا لهم : قد اهتديتم ، ووفقتم لرشدكم ، ولقيتم ربّكم تعالى بحجة ظاهرة في أنكم لم تتعدّوا حدوده ، ولا ألحدتم في أسمائه ، ولا خالفتم ما أمركم به وبالله تعالى التوفيق.
مع أنّ الذي ألزمناهم هو ألزم لهم مما التزموه لأن بالضرورة نعلم نحن وهم أن الفعل لا يقوم بنفسه ، ولا بدّ له ضرورة من أن يضاف إلى فاعله فلا بدّ أيضا من إضافة الفاعل إليه ، على معنى وصفه بأنه تعالى فعله.
هذا ما لا يقوم في العقل وجود شيء من العالم بخلاف هذه الرتبة ، وقد وجدنا في العالم أشياء كثيرة لا تحتاج إلى وصفها بصفة لتنفي عنها ضدّ تلك الصفة كالسماء والأرض ، لا يجوز أن يوصف منها شيء بالبصر لنفي العمى ، ولا بالعمى لنفي البصر ، فإذا لم نضطر إلى ذلك في وصف الأشياء فيما بيننا بطل قياسهم الباري تعالى على بعض ما في العالم ، وكان إطلاق شيء من جميع الصفات على خالق الصفات والموصوفين أبعد وأشد امتناعا إلّا بما سمّى به نفسه فنقرّ بذلك ، وندري أنه حق ، ولا نتعدّاه إلى ما سواه. أفلا يستحي من التزم إذا وجد أشياء في العالم توصف بالحياة لنفي الموت ، وبالبصر لنفي العمى ، فأجرى قياسه هذا الفاسد على ربه تعالى من أن يسمّيه مستهزئا وكيّادا ، وقد قال تعالى «إنه يستهزىء ويكيد» فهلّا إذ وفقه الله تعالى للإمساك عن تصريف الفعل هاهنا جرى على ذلك التوفيق فلم يزد على ما نص الله تعالى عليه من سميع وبصير وحي شيئا أصلا؟ ولكنّ التناقض سهل على من لم يعتصم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، واستعمل رأيه وقياسه في دينه ، وفيما يجريه على الله تعالى ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان. وبهذا يبطل إلزام من أراد من المعتزلة إلزامنا أن نسمي الله تعالى مسيئا لخلقه السيئات ، وشرّا لخلقه الشرور.
قال أبو محمد : وقد شغب بعضهم فيما ادّعوه أنّ كل صفة أضافوها إلى الله تعالى فهو غير سائر صفاته ـ بأنّ الله تعالى موصوف بأنه لا يعلم نفسه ، ولا يوصف بالقدرة على نفسه.