قال أبو محمد : وإنما قلنا بالعلم ، والقدرة ، والقوة ، والعزّة ، بنصوص أخر يجب الطاعة لها ، والقول بها ، ووجدنا المتأخرين من الأشعرية كالباقلاني وابن فورك وغيرهما قالوا : إنّ هذه الأسماء ليست أسماء لله تعالى ولكنها تسميات له ، وأنه ليس لله إلا اسم واحد ، لكنه قول إلحاد ومعارضة لله عزوجل بالتكذيب التي تلونا ، ومخالفة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيما نصّ عليه من عدد الأسماء ، وهتك لإجماع أهل الإسلام عامّهم ، وخاصّهم ، قبل أن تحدث هذه الفرقة.
فصل
فيما أحدثه أهل الإسلام في أسماء الله عزوجل القديم
قال أبو محمد : وهذا لا يجوز أن يسمى عزوجل بما لم يسمّ به نفسه ، لأنه لم يصحّ به نصّ البتّة. وقد قال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [سورة يس : ٣٩].
فصح أن القديم من صفات المخلوقين ، فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى بذلك ، وإنما يعرف القديم في اللغة من القدمية الأزلية ، أي أن هذا الشيء أقدم من هذا بمدة محصورة ، وهذا منفيّ عن الله عزوجل. وقد أغني الله عزوجل عن هذه التسمية بلفظة «أوّل». فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره ، وهو معنى أنه لم يزل.
وقد قلنا بالبرهان : إن الله لا يجوز أن يسمّى بالاستدلال ، ولا فرق بين من قال : إنه يسمّي ربّه تعالى جسما إثباتا للوجود ونفيا للعدم ، وبين من سمّاه «قديما» إثباتا لأنه لم يزل ، ونفيا للحدوث ، لأن كلا اللفظين لم يأت به نص.
فإن قال : من سماه جسما ألحد لأنه جعله كالأجسام.
قيل له : ومن سمّاه قديما قد ألحد في أسمائه ، لأنه جعله كالقدماء.
فإن قيل : ليس في العالم قدماء. أكذبه القرآن بما ذكرنا ، وأكذبته اللغة التي بها نزل القرآن ، إذ يقول كل قائل في اللغة : هذا الشيء أقدم من هذا ، وهذا أمر قديم ، وزمان قديم ، وشيخ قديم ، وبناء قديم. وهكذا في كل شيء.
وأمّا نفي خلق الإيمان فهذا أعجب ما أتوا به. وهل الإيمان إلا فعل المؤمن ، الظاهر منه ، يزيد وينقص ، ويذهب البتة ، وهو خلق الله تعالى ..؟ وهذه صفات الحدوث نفسها.