فإن قالوا : إنّ الله تعالى هو المؤمن.
قلنا : نعم. هو المؤمن المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور.
فأسماؤه بذلك أعلام ، لا مشتقّة من صفات محمولة فيه عزوجل. تعالى الله عن ذلك. إلّا ما كان مشتقا من فعل محدث ـ فهو ظاهر كالخالق والمصوّر.
فإن قلتم : إنها صفات لم تزل لربكم أنه المصور بتصوير لم يزل ، فهذا قول أهل الدّهر مجرّد. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وقال بعضهم : إنّ قولنا سميع بسمع ، بصير ببصر ، حيّ بحياة ـ لا يوجب تشابها ، ولا يكون الشيء شبها للشيء إلا إذا ناب منابه ، وسدّ مسدّه.
قال أبو محمد : وهذا كلام في غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان ، لا من لغة ، ولا من شريعة ، ولا من طبيعة ، وما اختلفت قط اللغات ولا الطبائع ، ولا الأمم في أنّ الشّبهة بين المشبهات إنما هو بصفاتها في الأجسام وبذواتها في الأعراض. وأما النص فإنّ الله تعالى يقول :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [سورة الأنعام : ٣٨].
فليت شعري هل قال ذو مسكة عقل : إن الحمير ، والكلاب ، والخنافس تنوب منابنا ، وتسدّ مسدّنا ..؟ وقال تعالى حاكيا عن الأنبياء عليهمالسلام ، أنهم قالوا للكفار : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [سورة إبراهيم : ١١].
فهل قال قط مسلم : إن الكفار ينوبون عن الأنبياء عليهمالسلام ، ويسدّون مسدّهم ..؟
وقال تعالى : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) [سورة الرحمن : ٥٨].
فهل قال ذو مسكة عقل : إن الياقوت ينوب مناب الحور العين ، ويسدّ مسدّهم ..؟
ومثل هذا في القرآن كثير جدّا ، وفي كلام كلّ أمة. والعجب أنهم بعد أن أتوا بمثل هذه العظيمة نسوا أنفسهم فجعلوا المتشابه في بعض الأحوال يوجب شرع الشرائع قياسا ، وهذا دين لم يأذن به الله تعالى ، فهم أبدا في الشيء وضده ، والبناء والهدم. ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وحقيقة التماثل والتشابه هو : أنّ كل جسمين اشتبها فإنما يشتبهان بصفة محمولة فيهما ، أو بصفات فيهما ، وكل عرضين فإنما يشتبهان بوقوعهما