له فعلا ، وكذلك المؤلف ، لم يسمّ مؤلفا لأن فيه تأليفا ولا يسمّى الحكيم حكيما لإحكامه الفعل ، ولا وجب المؤلف أن يكون محدثا للتأليف الذي فيه.
هذا ، على أنّ من قال بعض هذه القضايا فهو أصحّ قولا ممن قال : إن كان الحيّ حيّا لا يقتضي بذلك الاستدلال أن يكون له حياة ، لأننا لم نجد قط حيّا إلّا بحياة ، ولا توهمنا ذلك إلّا بالفعل ، ولا يتشكل في العقل البتة ، ولا يدخل في الممكن بدليل ، وقد وجدنا العنكبوت والنحلة والخطاف تحكم أفعالها وبناءها بالطين والشّمع مسدّسا على رتبة واحدة بالنسج ، ثم لا يجوز أن يسمّى شيء منها حكيما.
فإن قال : إنما أقول إنه حي استدلالا بأنه لا يموت ، والحي هو الذي لا يموت ، كان قد أتى بأسخف قول ، وذلك يلزمه أن يقول : إننا لسنا أحياء لأننا نموت ، وأنه لا حيّ في العالم ، لأنّ من قول هذا القائل : إنّ الملائكة تموت ، فليس في العالم حيّ على قوله.
وقد أتى بعضهم بهذيان ظريف فقال : قد وجدنا شيئا فيه حياة وليس حيّا وهو يد الإنسان ورجله.
قال أبو محمد : ولقد كان ينبغي لمن هذا مقداره من الجهل أن يتعلم قبل أن يتكلم. أما علم الجاهل أن الحياة إنما هي للنفس لا للجسد ، وأن الحيّ إنما هو النفس لا الجسد؟ أما سمع قول الله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج : ٤٦].
وليت شعري لو عكس عليه هذا السخف فقيل له : بل يد الإنسان حيّة ولا حياة فيها ، بما ذا كان ينفصل من هذا الجنون المطابق لجنونه ..؟
ثم إذ بطل قول هؤلاء فنقول بحول الله تعالى وقوته للطائفة الأخرى التي قالت : إنه تعالى حي بحياة استدلالا بالشّاهد : ما الفرق بينكم وبين من قال : إنه تعالى جسم لأن الأفعال لا تقع إلّا من جسم؟ فإنّه على أصولكم لا يعقل إلّا جسم وعرض ـ فلما بطل إمكان الفعل من العرض ، صحّ وقوعه من الجسم فقط ولا بد. ولما صحّ أن العالم لا يكون إلّا جسما ذا ضمير ضرورة صحّ أنه تعالى جسم ذو ضمير. ولما صحّ أنه قادر لا يكون إلّا جسما صحّ أنه جسم ، فبأي شيء راموا الانفصال به عكس عليهم مثله سواء بسواء في استدلالهم ، وما التزموه لزمهم.
فإن قالوا : إنّ الله تعالى أخبر أنه حي ، ولم يخبر أنه جسم.
قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق : وإنّ الله تعالى لم يخبر بأن له حياة.