باب الكلام على من قال : إن فاعل العالم ومدبّره أكثر من واحد
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : افترق القائلون بأن فاعل العالم أكثر من واحد فرقا ، ثم ترجع هذه الفرق إلى فرقتين :
(أ) فإحدى الفرقتين تذهب إلى أن العالم غير مدبّريه ، وهم القائلون بتدبير الكواكب السبعة ، وأزليتها ، وهم المجوس ، فإن المتكلمين ذكروا عنهم أنهم يقولون : إن الباري عزوجل لما طالت وحدته استوحش ، فلما استوحش فكر فكرة سوء فتجسمت فاستحالت ظلمة ، فحدث منها «اهرمن» وهو إبليس ، فرام البارئ تعالى إبعاده عن نفسه فلم يستطع ، فتحرز منه بخلق الخيرات ، وشرع «اهرمن» في خلق الشر ، ولهم في ذلك تخليط كثير.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا أمر لا تعرفه المجوس بل قولهم الظاهر هو أن الباري تعالى ، وهو «أورمن» ، وإبليس وهو «اهرمن» ، و «كام» وهو الزمان ، و «جام» وهو المكان ، وهو الخلاء أيضا ، و «توم» وهو الجوهر ، وهو أيضا «الهيولى» ، وهو أيضا «الطينة» و «الخميرة» خمسة لم تزل. وأن «أهرمن» هو فاعل الشرور. وأن «أورمن» فاعل الخيرات. وأن «توم» هو المفعول فيه كل ذلك.
وقد أفردنا في نقض هذه المقالة كتابا في نقض كلام محمد بن زكريا الرازي الطبيب ، في كتابه الموسوم ب «العلم الإلهي».
والمجوس يعظمون الأنوار ، والنيران ، والمياه ، إلّا أنهم يقرون بنبوّة «زرادشت» ، ولهم شرائع يضيفونها إليه.
ومنهم «المزدكية» : وهم أصحاب مزدك الموبذ ، وهم القائلون بالمساواة في المكاسب ، والنساء.
والخرّمية (١) : أصحاب بابك. وهم فرقة من فرق المزدكية ، وهم أيضا سر مذهب
__________________
(١) هم اتباع بابك الخرمي ، وهو رجل فارسي مجوسي الأصل دخل في الإسلام وتسمى الحسن. قتل سنة ٢٢٣ ه بأمر المعتصم. وقد ظهر بابك الخرمي في جبل البدين بناحية أذربيجان وكثر بها أتباعه ، واستباحوا المحرمات وقتلوا الكثير من المسلمين. وجهز إليه خلفاء بني العباس جيوشا كثيرة مع أفشين الحاجب ومحمد بن يوسف الثغري وأبي دلف العجلي وأقرانهم ، وبقيت العساكر في وجهه مقدار عشرين سنة إلى أن أخذ بابك وأخوه إسحاق بن إبراهيم وصلبا بسرّ من رأى. انظر الفرق بين الفرق (ص ٢٠١ ، ٢٠٢) ومروج الذهب (٤ / ٥٥).