وكلامنا هذا كلام اختصار وإيجاز وقصد إلى استيعاب قواعد الاستدلال ، والبراهين الضرورية ، والنتائج الواجبة من المقدمات الأولية الصحيحة ، وإضراب عن الشغب والتطويل الذي يكتفى بغيره عنه ، فإنما وعدنا بعون الله تعالى أن نبين بالبراهين الضرورية : أن الفاعل واحد لا أكثر البتة ، ونبين بطلان أن يكون أكثر من واحد كما فعلنا بتأييد الله عزوجل ، إذ بينا بالبراهين الضرورية أن العالم محدث كان بعد أن لم يكن ، وأن له مخترعا ومدبرا لم يزل فإذا ثبت أنه تعالى واحد بطلت الأقوال التي ذكرنا كلها وسقطت خرافاتهم المضافة إلى الأوائل الفاسدة في وصفهم الفاعلين وكيفية أفعالهم ، إذ لا تكون صفة إلّا لموصوف ، فإذا بطل الموصوف بطلت الصفة التي وصفوه بها.
وأما الاشتغال بأحكامهم الشرعية فلسنا من ذلك في شيء ، لأنه ليس من الشرائع العلمية شيء يوجبه العقل ، ولا شيء يمنع منه العقل ، بل كلها من باب الممكن ، فإذا قامت البراهين الضرورية على صحة قول الآمر بها ، ووجوب طاعته ، وجب قبول كل ما أتى به كائنا ما كان من الأعمال ، ولو أنه قتل أنفسنا ، وأبناءنا ، وآباءنا ، وأمهاتنا ، وإذا لم يصح قول الآمر بها ، ولم يصح وجوب طاعته لا يلتفت إلى ما يأمر به أي شيء كان من الأعمال.
وكل شريعة كانت على خلاف هذا فهي باطلة.
فكلامنا مع الفرق التي ذكرنا في إثبات أن الفاعل الأول واحد لا أكثر ، وإبطال أن يكون أكثر من واحد. وهو حاسم لكل شغب يأتون به بعد ذلك ، وكاف من التكلف لما قد كفته المرء بيسير من البيان. وما توفيقنا إلا بالله تعالى.
ونبدأ بحول الله تعالى وقوته بإيراد عمدة ما موّهوا به في إثبات أن الفاعل أكثر من واحد. ثم ننقضه بحول الله تعالى وقوّته بالبراهين الواضحة ، ثم نشرع إن شاء الله تعالى في إثبات أنه تعالى واحد بما لا سبيل إلى ردّه ولا اعتراض فيه كما فعلنا فيما خلا من كتابنا والحمد لله رب العالمين.
فنقول وبالله تعالى التوفيق :
حجج القائلين بأن الفاعل أكثر من واحد
إنّ عمدة ما عوّل عليه القائلون بأن الفاعل أكثر من واحد ، استدلالان فاسدان :
أحدهما : هو استدلال : المانية ، والديصانية ، والمجوس ، والصابئة ، والمزدكية