ومن ذهب مذاهبهم ، وهو أنهم قالوا : وجدنا الحكيم لا يفعل الشر ، ولا يخلق خلقا ثم يسلط عليه غيره ، وهذا عيب في المعهود. ووجدنا العالم كله ينقسم قسمين ، كل قسم منهما ضد الآخر كالخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، والحياة والموت ، والصدق والكذب.
فعلمنا أن الحكيم لا يفعل إلّا الخير ، وما يليق فعله به ، وعلمنا أن الشرور لها فاعل غيره ، وهو شر مثلها.
والاستدلال الثاني : وهو استدلال من قال بتدبير الكواكب السبعة ، والاثني عشر برجا ، ومن قال بالطبائع الأربع. وهو أن قالوا :
لا يفعل الفاعل أفعالا مختلفة إلّا بأحد وجوه أربعة :
إمّا أن يكون ذا قوى مختلفة.
وإمّا أن يفعل بآلات مختلفة.
وإما أن يفعل باستحالة.
وإما أن يفعل في أشياء مختلفة.
قالوا : فلما بطلت هذه الوجه كلها ، إذ لو قلنا : إنه يفعل بقوى مختلفة لحكمنا عليه بأنه مركب ، فكان يكون من أحد المفعولات.
ولو قلنا : إنه يفعل باستحالة ، لوجب أن يكون منفعلا للشيء الذي أحاله ، فكان يدخل في جملة المفعولات.
ولو قلنا إنه يفعل في أشياء مختلفة لوجب أن تكون تلك الأشياء معه ، وهو لم يزل ، فتلك الأشياء لم تزل فكان حينئذ لا يكون مخترعا للعالم ولا فاعلا له.
قالوا : فعلمنا بذلك أن الفاعلين كثير ، وأن كل واحد يفعل ما يشاكله.
إبطال هذه الأدلة
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فهذه عمدة ما عوّل عليه من لم يقل بالتوحيد ، وكلا هذين الاستدلالين خطأ فاحش على ما نبين إن شاء الله تعالى.
فيقال وبالله تعالى التوفيق ، لمن احتج بما احتجت به المانية ، من أنه لا يفعل الحكيم الشر ولا العبث :
ـ لا يخلو علمكم بأن هذا الشيء شر وعبث من أحد وجهين لا ثالث لهما :