أولا للشافعي ، ثم أدّاه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليّه وخفيّه والأخذ بظاهر النصّ وعموم الكتاب والحديث والقول بالبراءة الأصلية واستصحاب الحال ، وصنّف في ذلك كتبا كثيرة وناظر عليه. وقد بسط لسانه وقلمه في جماعة من الأئمة العلماء ، فكان أن امتحن في ذلك ، فشرّد عن وطنه ، وجرت له أمور ، وقام عليه جماعة من المالكية. وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات ، ونفّروا منه ملوك الناحية ، فأقصته الدولة ، وأحرقت مجلدات من كتبه ، وتحوّل إلى بادية لبلة فأقام في قرية له. وقال أبو الخطاب بن دحية : كان ابن حزم قد برص من أكل اللّبان ، وأصابه زمانة ، وعاش ثنتين وسبعين سنة غير شهر.
وقال صاعد الأندلسي : ونقلت من خطّ ابنه أبي رافع أن أباه توفي عشية الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ستّ وخمسين وأربعمائة ، فكان عمره إحدى وسبعين سنة وأشهرا ، رحمهالله.
أقوال العلماء فيه :
قال أبو حامد الغزالي : وجدت في أسماء الله تعالى كتابا ألّفه أبو محمد بن حزم الأندلسي يدلّ على عظم حفظه وسيلان ذهنه.
وقال أبو القاسم صاعد بن أحمد الأندلسي : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة ، مع توسّعه في علم اللسان ووفور حظّه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار.
وقال أبو عبد الله الحميدي (صاحب جذوة المقتبس) : كان ابن حزم حافظا للحديث وفقهه ، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنّة ، متفننا في علوم جمّة ، عاملا بعلمه ، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتديّن ، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل ، وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه.
وقال الإمام الذهبي : كان ينهض بعلوم جمّة ، ويجيد النقل ، ويحسن النظم والنثر ، وفيه دين وخير ، ومقاصده جميلة ، ومصنفاته مفيدة ، وقد زهد في الرئاسة ، ولزم منزله مكبّا على العلم.