وقد يمكن أن يشغب أيضا مشغب في قولنا : إن الأبعاض لا تتنافى ، فيقول : إن الخضرة تنافي البياض ، وكلاهما بعض للون الكلي ، فهذا أيضا ليس مما أردناه في شيء ، لأن قولنا موجود ليس جنسا فيقع على أنواع المتضادات ، وإنما هو إخبار عن وجود أشياء قد تساوى كلها في وجودنا إياها حقا ، فهو يعم بعضها كما يعم كلها ، وأيضا فإن الخضرة لا تضاد البياض في أن هذا لون ، بل يجتمعان في هذا المعنى اجتماعا واحدا لا يختلفان فيه ، وإنما اختلفا بمعنى آخر. وكذلك لا يخالف موجود موجودا في أنه موجود ، والموجود يخالف المعدوم في هذا المعنى نفسه ، وليس بعضا للمعدوم ، والمعدوم ليس شيئا ، ولا له معنى حتى يوجد ، فإذا وجد كان حينئذ شيئا موجودا.
وقد تخلصنا أيضا في باب التجزؤ ، وكلامنا في هذا الديوان من مثل الإلزام هنالك.
الكلام على النّصارى
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : النصارى وإن كانوا أهل كتاب ، ويقرون بنبوة بعض الأنبياء عليهمالسلام ، فإن جماهيرهم وفرقهم لا يقرون بالتوحيد مجردا ، بل يقولون بالتثليث ، فهذا مكان الكلام عليهم.
والمجوس أيضا وإن كانوا أهل كتاب لا يقرون ببعض الأنبياء عليهمالسلام ، ولكنا أدخلناهم في هذا المكان لقولهم بفاعلين لم يزالا.
فالنصارى أحق منهم بالإدخال هاهنا ، لأنهم يقولون بثلاثة لم يزالوا.
والنصارى فرق :
منهم أصحاب «آريوس» وكان قسيسا بالإسكندرية. ومن قوله : التوحيد المجرد ، وأن عيسى عليهالسلام عبد مخلوق ، وأنه كلمة الله تعالى التي بها خلق السموات والأرض. وكان في زمن قسطنطين الأول ، باني القسطنطينية وأول من تنصر من ملوك الروم ، وكان على مذهب «آريوس» هذا.
ومنهم أصحاب «بولس الشمشاطي» : وكان بطريركا بأنطاكية قبل ظهور النصرانية. وكان قوله : التوحيد المجرد الصحيح ، وأن عيسى عبد الله ورسوله كأحد الأنبياء عليهمالسلام ، خلقه الله تعالى في بطن مريم من غير ذكر ، وأنه إنسان لا إلهية فيه البتة. وكان يقول : لا أدري ما الكلمة ولا روح القدس؟