هل لزم الناس قبل ورود القرآن فرض بالإقرار بصلب المسيح أو بإنكار صلبه ، أو لم يلزمهم فرض بشيء من ذلك؟
فهذه هي القسمة الثابتة من السؤال الصحيح (١).
وحق الجواب : أنه لم يلزم الناس قط قبل ورود القرآن فرض بشيء من ذلك لا بإقرار ولا بإنكار ، وإنما كان خبرا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروري ، ممكن صدق قائله ، فقد قتل أنبياء كثيرة ، وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك. وهو بمنزلة شيء مغيب (٢) في دار ، فيقال لهذا المعرّض بهذا السؤال الفاسد : ما الفرض على الناس فيما في هذا الدار؟ الإقرار بأن فيها رجلا أم الإنكار لذلك؟ فهذا كله لا يلزم منه شيء ، ولم ينزل الله عزوجل كتابا قبل القرآن بفرض إقرار بصلب المسيح صلىاللهعليهوسلم ولا بإنكاره. وإنما لزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بقتله وصلبه. فإن قالوا : قد نقل الحواريون صلبه ، وهم أنبياء وعدول.
قيل لهم وبالله التوفيق :
الناقلون لنبوتهم وإعلامهم ولقولهم بصلبه عليهالسلام هم الناقلون عنهم الكذب في نسبه (٣) ، والقول بالتثليث الذي من قال به فهو كاذب على الله تعالى مفتر عليه كافر.
فإن كان الناقل لذلك عنهم صادقا ، أو كانوا كافة ، فما كان «يوحنا» و «متّى» و «بولس» إلّا كفارا كاذبين ، وما كانوا قط من صالحي الحواريين.
وإن كان ناقل ما ذكرنا عنهم كاذبا فالكاذب لا يقوم بنقله حجة. فبطل التمويه المتقدم والحمد لله رب العالمين.
طبيعة المسيح
وقال متكلموهم : إن الاتحاد المذكور إنما هو تقليد للإنجيل ، ولم يكن نقلة ولا حركة ، ولا فارق الباري ولا العلم ما كانا عليه ولا انتقلا.
__________________
(١) فإنهم تجاهلوا في التقسيم الاحتمال الثالث ، وهو : لم يلزمهم فرض لا بصلبه ولا بإنكار صلبه. وبدون هذا الاحتمال لا تكتمل القسمة.
(٢) أي غائب عن الأنظار.
(٣) يعني في قولهم أنه عليهالسلام ابن الله.