ولا إلى مفارقة تلك الكيفية. فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) [سورة النمل : ١٦]. وبما ذكر الله تعالى من قول النملة : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [سورة النمل : ١٨] الآية. وقصة الهدهد. قيل وبالله تعالى التوفيق :
لم ندفع أن يكون للحيوان أصوات عند معاناة ما تقتضيه له الحياة من طلب الغذاء ، وعند الألم ، وعند المضاربة ، وطلب السّفاد ، ودعاء أولادها ، وما أشبه ذلك فهذا هو الذي علمه الله تعالى سليمان رسوله عليهالسلام ، وهذا الذي يوجد في أكثر الحيوان ، وليس هذا من تمييز دقائق العلوم والكلام فيها ، ولا من عمل وجوه الصناعات كلها في شيء. وإنما عنى الله تعالى : ب «منطق الطير» أصواتها التي ذكرنا لا تمييز العلوم والتصرف في الصناعات التي من ادعاها لها أكذبه العيان ، والله تعالى لا يقول إلّا الحق.
وأما قصة النملة والهدهد : فهما معجزتان خاصتان لذلك النمل ولذلك الهدهد ، وآيتان لسليمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ككلام الذراع وحنين الجذع ، وتسبيح الطعام لمحمد صلىاللهعليهوسلم آيات لنبوته عليهالسلام ، وكذلك حياة عصا موسى عليهالسلام آية لرسول الله موسى عليهالسلام ، لأن هذا النطق شامل لأنواع هذه الأشياء.
قال «أبو محمد» رضي الله عنه : وقد قاد السخف والضعف والجهل من يقدّر في نفسه أنه عالم وهو المعروف بخويزمنداد (١) المالكي إلى أن جعل للجمادات تمييزا.
قال «أبو محمد» رضي الله عنه : ولعلّ معترضا يعترض بقول الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [سورة الإسراء : آية ٤٤] وبقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الحج : آية رقم ١٨] الآية. وبقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [سورة الأحزاب : ٧٢] الآية. وبقوله تعالى حاكيا أنه قال للسماوات والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [سورة فصلت : ١١] وبقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يوم يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء» (٢) فهذا كله حق ولا
__________________
(١) هو محمد بن أحمد عبد الله بن خويزمنداد المالكي العراقي المتوفى سنة ٣٩٠ ه تقريبا. فقيه أصولي. من آثاره : كتاب كبير في الخلاف ، وكتاب في أصول الفقه. انظر الوافي بالوفيات للصفدي (٢ / ٥٢).
(٢) رواه مسلم في البر والصلة والآداب (حديث ٦٠) عن أبي هريرة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :