الأمور لما امر نبيه بنصبه (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ، فوضح من جملة ما ذكرناه ان الاعتذار بحداثة السن ، وانتقاض العرب ، وحب بني عبد المطلب اعتذار مضمحل فاسد لا عذر به في مخالفة النص.
واما الاعتذار بالدعابة فهو باطل بالجواب العام عن الوجوه السابقة ، لأنه كما ترى شامل له ، وما هو الا اقتراح على الله وتطلب عليه ، ولعمري ان كانت طلاقة الوجه ، وبشاشة اللسان ، وسجاحة الأخلاق ، وظهور البشر للمؤمنين ، وكثرة الحلم عيبا مانعا من الامامة فيجب ان يكون الأنبياء ظاهري الغضب ، ذوي غلظة وفظاظة لا رفق فيهم لأن الامامة منصبهم بالاصالة ، وذاك خلاف ما وصف الله به انبياءه من الحلم والرأفة فقال في ابراهيم (عليهالسلام) : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (١) وقال في حق نبينا (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) وقال في حق قوم مدحهم : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣) وقال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٤) وهذه صفة امير المؤمنين فيجب ان تكون شرطا في الامام لوجودها في النبي الذي انتقلت الامامة منه الى الامام ، ولو كانت الغلظة والشدة وصفا حسنا فضلا عن ان تكون شرطا للامام لما نهى الله نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عنها وجردها عنه في قوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ) الآية (٥). وعذر ابن ابي الحديد عنه في امر الدعاية ونسبة امير المؤمنين إليها بانه خشن الطبع ، وان الكلمات القبيحة تخرج منه على مقتضى جبلته
__________________
(١) هود : ٧٥.
(٢) التوبة : ١٢٨.
(٣) الفتح : ٢٩.
(٤) المائدة : ٥٤.
(٥) آل عمران : ١٥٩.