موجودة وعن صفات ذاته زائغة باينة ، تحدث بإحداث فعله ، إذ ليس هي غير خلقه وصنعه ؛ لأن إرادته للشيء خلقه له ، وخلقه له فهو إيجاده إياه ، وإيجاده إياه فهو إرادته له ، فإذا خلق فقد أراد وشاء ، وإذا أراد فقد خلق وبرا ، لا فرق بين إرادته في خلق الأجسام ومراده ؛ لأن إرادته لإيجاد الاجسام هو خلقه لما فطر من الصور التوام ، لا تتقدم له إرادة فعلا ، ولا يتقدم له أبدا فعل إرادة ، ولا تفترق إرادته وصنعه ، بل صنعه مراده ، ومراده إيجاده. وإنما يتقدم الإرادة فعل المفعول إذا كان الفعل مخالفا للمفعول المجعول ، وكان الفعل متوسطا بين الفاعل ومفعوله ، فحينئذ تتقدم إرادة المريد أفاعيله ومعموله ، وذلك فلا يكون إلا في المخلوقين ، ولن يوجد ذلك أبدا في رب العالمين ؛ لأن كل مفعول للمربوبين فإنما قام وتجسم واستوى من بعد العدم وتم بالفعل المتقدم له من الحركات ، بالرفع والوضع في الحالات ، من ذلك ما يعلم ويرى من عمل الصانع البناء وإحكامه لما يحكم من البناء ، فالفاعل للبناء قبل الفعل ، والفعل قبل المفعول ؛ لأن فعل البناء هو الحركات ، والتحيل بالرفع والتسوية ، والتقدير والوضع لحجر فوق حجر ، ومدر بعد (٧٩) مدر حتى يتم له بفعله مفعوله ، ويلتئم له ببعض حركاته معموله ، ولو لا ما كان منه من فعله لما تم له ما تم من مفعوله ، فبفعل الفاعل كان المفعول ، وبتحيله قام وتمّ له المجعول. فالفاعل من الآدميين جسم وأدوات ، وفعله فعرض بيّن بالحركات ، ومفعوله فبعد عرض الفعل يوجد في الحالات ، فكل جدار وجد أو دار أو عقدة (٨٠) معقودة ، أو ثوب مخيط بخيوط أو رسم بكتاب مكتوب ، أو غير ذلك من الأمور والأسباب ، التي هي من أفعال العباد ، فلم تكن إلا من بعد الحركات ، اللواتي هن أعراض غير متلاحقات ، ولذلك جاز فيها تقدم الإرادات والنيات. وكلما أوجده الرحمن فهو فعل لذي الجلال والسلطان ، ولا يقال إنه له مفعول إلا على مجاز (٨١) الكلام المعقول لما بينا وشرحنا في أول الكلام ، وقلنا من أن
__________________
(٧٩) في (ب) : ومدر فوق مدر. والمدر : قطع الطين اليابس. القاموس.
(٨٠) في (ب) : أو عقد معقود.
(٨١) اعلم أن مراد الإمام صلوات الله عليه بهذا الكلام بيان التأثير من الله سبحانه في المصنوعات ، ـ