الساعات ، الأوّل الذي لا تراه العيون ولا تعروه السنات ، ولا تستتر منه غوامض أسرار القلوب المحجوبات ، ولا تحيط به الأقطار ولا تشتبه عليه اللغات ، الذي هو من تخوم الأرضين كهو من أعالي السماوات ، وكذلك القول في معنى قوله (الجليل) ، فتبارك من لا إله غيره ولا شيء يشبهه ، المصور لكل صورة من خلقه ، المقدر الذي لا يكون فعل كفعله.
باب تفسير معنى : إن الله بكل مكان
إن سأل سائل مسترشد أو متعنت ، فقال : ما معنى قولكم إن الله بكل مكان؟ تبارك ذو المن والإحسان.
قلنا له : معنى قولنا ذلك في ربنا ، إنما نريد أنه هو الشاهد لنا غير الغائب عنّا ، لا يغيب عن الأشياء ، ولا يغيب عنه شيء قرب أو نأى ، وهو الله الواحد الجليل الأعلى ، لأن من غاب عن الأشياء كان في عزلة منها ، والعزلة فموجدة للحد والتحديد (١٠٢) ، ومن غابت عنه المعلومات ، كان من أمرها في أجهل الجهالات ، وكانت عنه عازبة غائبة ، والله سبحانه فلا تخفى عليه خافية ، سرا كانت ولا علانية ، فعلى ذلك يخرج قولنا إن الله بكل مكان ، نريد أنه العالم الشاهد لكل شأن.
باب تفسير معنى : أين الله؟
إن سأل سائل : فقال أين الله؟ قيل له : مسألتك تحتمل وجهين ، وتنصرف في اللغة على معنيين ، أحدهما : أن تكون (١٠٣) تريد أين الله حال ، وهذا فباطل فاسد من المقال ، متعال عنه ذو القوة والعزة والجلال ، لأن ذلك يوجب التحديد ، ومتى وقع التحديد وقع
__________________
(١٠٢) لأن المعتزل لا بد أن يكون معتزلا في مكان ، ومن كان في مكان كان له حدود.
(١٠٣) في نخ من هامش (أ) : (تكون) وفي الأصل : (تكن).