باب تفسير معنى القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر
القدوس فهو : المستحق من خلقه للتقديس ، والتقديس فهو التنزيه والتعظيم ، وكذلك ربنا الواحد الكريم.
والسّلام فهو : السالم من الآفات التي تحل بغيره ، النازلات بالخلائق الحالة بهم ، الهاجمة عليهم.
والمؤمن فهو : المؤمّن لأوليائه من أليم عذابه ، الصارف عنهم ما يوقع بأعدائه من عقابه.
والمهيمن فهو : المتقدس الحاكم ، الشاهد على خلقه بحكمه العادل.
والعزيز فهو : الغالب الجليل ، الممتنع المتعالي عن التشبيه والتمثيل ، المتعزز فلا يرام ، العظيم الجليل فلا يضام ، المعز لأوليائه ، المذل لأعدائه.
والجبار فهو : المالك القاهر ، الذي ما جبر من الأشياء كلها انجبر ، فكان على ما جبره وصوره من الأجسام ، فتبارك الله ذو الجلال والإنعام ، الذي جبل الأشياء وجبرها على ما شاء من تصوير خلقها ، وتركيب أجسامها وأبعاضها ، وتقدير ألوانها وأماكنها ، وتغيير طعم مأكولها ، واختلافها ، فجبر السماوات على ما أراد من الارتفاع ، وجبر وجبل الأرضين على ما أراد من الاندحاء والاتضاع ، وجبر ما بينهما على ما يشاء من التصوير ، والخلق والتقدير ، والتركيب ، وجبل وجبر العباد على ما شاء من تصويرهم ، وخلق ما خلق من تقديرهم ، فجعلهم من ضعف ، ثم جعل من بعد الضعف قوة ، ثم جعل من بعد القوة ضعفا وشيبة ، كما قال الله سبحانه : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤] ، وكذلك جبلهم على ما شاء من خلق أجسامهم ، فجعل منهم الطويل والقصير ، وجعل منهم النبيل في جسمه والحقير ، وكلهم يريد الأفضل من الأمور ، فكانوا كما شاء أن يجعلهم ، وجعل فعله فيهم وفي غيرهم آية لهم كما قال سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢] ، فكان تركيب خلقهم ، كما أراد من تصويرهم ، لا اختلاف في ذلك ولا تفاوت ، كما قال