المتفرد بالخلق والإماتة والإحياء ، الموجد لما يتوهم ، أو يرى بالأعين وغيرها من الحواس ، من الذوق ، والشم ، أو السمع أو الحواس. لا تحيط به الأفهام ، ولا يقع عليه بتحديد الأوهام ، وهو الأول في آخريته ، والآخر في أوليته ، والظاهر في باطنيته ، والباطن في ظاهريته ، المتفرد بالوحدانية ، البائن بالأزلية ، الشاهد الداني في علوه ، البعيد النائي في دنوه ، كما قال سبحانه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٣] وكذلك ربنا الرحمن الرحيم. يعلم ما يكون قبل كينونته ، كما يعلمه من بعد بينونته ، علمه بما استجن في قعور البحار ، وما انطوت عليه الجوانح من ضمائر الأسرار ، كعلمه بما ظهر وأنار ، من واضح القول والأخبار. الصمد الذي لا غاية بعده تصمد ، والواحد الذي ليس كمثله أحد ، لم يكن له مثل ولا ند ، ولا يكون أبدا له قبل ولا بعد ، مبيد الأحياء ، وباعث الموتى ، ووارث الآخرة والدنيا.
فإن قال قائل : فما ذا تريدون ، وما إليه تذهبون بقولكم : (شيء)؟
قلنا : نريد بقولنا (شيء) إثبات الموجود ، ونفي العدم المفقود ، لأن الإثبات أن نقول : شيء ، والعدم أن لا نثبت شيئا ، لأن من أثبت شيئا فقد أثبت صانعا مدبرا ، ومن لم يثبت شيئا كان في أمره ذلك متحيرا ، ودخل عليه ضد الإقرار ، وهو النفي والشك والإنكار.
الرد على من قال جسم لا كالأجسام
فإن سأل وتردد في الضلال فقال : فلم لا تقولون ، وعلى ما قلتم تقيسون ، فتقولون : إنه جسم لا كالأجسام؟ فيكون هذا يخرج على ما يخرج عليه أول الكلام.
قلنا له : ليس الصواب كالمحال ، وهذا في الله فأحول المقال ، لأنه وإن اشتبه عندك فيما ترى ، مخالف لما تقدم من (الشيء) في كل معنى ؛ لأنّا نرى الجسم أبدا متجسما ، ولسنا نرى كل الأشياء كائنا جسما. فالشيء يعم الأشياء كلها ، والجسم فإنما يقع على بعضها ، فلما اختلف معناه في الخاص والعام ، اختلف جميع قياسه في الكلام ، وكذلك كلما قيس أو ضرب له مثل ، فإنما يقاس ويشبه بما كان مثله في كل ما سبب وحال ، كما يحذا المثال على المثال ، فأما الضد فلا يقاس بضده ، إذ حده على خلاف حده. وفيما قلنا به في الشيء الذي لا كالأشياء ما يقول الله الواحد الأعلى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ