عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [النمل : ٦٠ ـ ٦٤].
والوجه الثالث : فهو إرادة المخلوقين ، وهي بالنية والضمير تعالى عن ذلك رب العالمين ، وتقدس عن مشابهة المربوبين ، وإنما يحتاج إلى النية والضمير من لم يكن بعالم ولا خبير بعواقب أفعاله ، ومتصرفات نوافذ أعماله ، فهو ينوي ويضمر ، ويدبر ما يورد ويصدر ، لقلة فهمه بالعواقب ، ولحاجته إلى المعين والأعوان ، وإلى الآلات في كل حال وأوان ، إذا أراد أن يصدر فيه من شأنه شأنا.
فالحمد لله الذي بان عن مشابهة العجزة المربوبين ، وتقدس عن مماثلة المتحرفين المتصرفين ، والعاقبة للمتقين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، وعلى أهل بيته الطيبين.
باب تفسير العلم في الله والرد على من قال إن لله علما سواه به يعلم الأشياء
إن سأل سائل : فقال : ما تقولون في الله ذي الجلال : أله علم؟
قيل له : إن معنى قولك : (لله علم) ، يخرج على ثلاثة معان معروفة بينه وكلها في اللسان فواضحة منيرة :
منهن : أن تكون تريد أن له علما أنزله على المرسلين ، وعلّمه إياهم ومن تبعهم من المؤمنين ، مثل : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان الجليل ، فنحن بذلك في الله نقول.
والثاني : أن تكون تريد أنه العالم بالأشياء ، الذي لا يخفى عليه سر ولا نجوى ، وأنه يعلم ما لم يكن مما سيكون ؛ كما يعلم ما قد كان من الفعل وبان ، فكذلك قولنا في الله ذي السلطان.
والثالث : أن تكون تقصد ، وفيما ذكرت من قولك تعمد ، أن لله علما سواه ، به يعلم في الحالات ما يكون من المعلومات ، وهذا في الله سبحانه فأحول المحال ، وأبطل ما يقال به من المقال ؛ لأنه لو كان كما تقول وتعبّر ، أو كان على شيء مما تذكر وتسطر لم يخل من أحد معنيين ، وكلاهما عن الله سبحانه زائلان :