باب تفسير القدرة والرد على من زعم أن لله قدرة سواه بها قدر على الأشياء
وكذلك قولنا لمن سأل عن قدرة ربنا فقال : هل لله قدرة فيما تقولون وإليه تذهبون مما تتقلدون؟
قيل له : إن معنى قولك هذا يحتمل ثلاثة معان مختلفات ، متفرقات غير مجتمعات في شيء من الجهات :
فمنهنّ : أن تكون تريد بسؤالك عن قدرة الرحمن على ما خلق وذرأ ذو المن والسلطان من عجائب ما خلق من المخلوقات ، ومدبرات ما دبر وافتطر من المفطورات ، من الأرضين والسماوات ، وما سوى ذلك من المجعولات ، اللواتي يشهدن لمدبرهنّ بالحول والقوة ، وينطقنّ له في كل أوان بالقدرة ، فكذلك نقول وإليه بلا شك نؤول.
أو أن يكون رأيك ومقصدك ، ومذهبك في ذلك ومعتمدك ، ما خلق سبحانه وأعطى ، وبث في الخلق وذرأ ، من القدرة التي أعطاها جميع الخلق ، من الاستطاعة التي بثّ في جميع أهل الباطل والحق ، ليعبدوه بها ويطيعوه ، ويستعملوها في طاعته ويرضوه ، ثم هداهم النجدين ومكنهم في ذلك من العملين ، ولم يحل بينهم وبين أفعالهم ليجازيهم على جميع أعمالهم ، ثم أمرهم بالطاعة ، ونهاهم عن المعصية ، ثم قال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٩] ، وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] ، ثم قال من بعد الإعذار والإنذار ، والدعاء والتبصير والإخبار : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف : ٢٩] ، فقصد للطاعة قاصدون ، ونكب عنها ناكبون ، ورفض قوم الهوى ، وركبوا التقى ، وترك قوم التقى ، واتبعوا الهوى ، فحق للمطيعين الوعد من الرحمن بالجنان ، ووجب على العاصين ما أوعد من النيران ، وفي أولئك ومن كان من الخلق كذلك ما يقول ذو السلطان والجبروت ، وذو الرأفة والقدرة والملكوت : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٧ : ٤١)] ،