بعد العدم ويقولون ، فإن كان الله أحدثها وهو غير قادر ، وأوجدها وصورها وفطرها وهي التي لا شيء يعدلها ، ولا شيء من المجعولات إلا وهو دونها ، إذ لا يوجد شيئا ولا يخلق إلا بها بغير ما قدرة منه عليها فلقد كان فعله في غيرها أنفذ ، ومراده في سواها أوكد (١٢٤) ، فبم ويلهم خلقها وأوجدها وهو يوجد مثلها بغيرها؟ فلقد كان عنها مستغنيا ، وبما خلقها به مكتفيا مستعليا ، فتبارك عن ذلك ذو الجلال وذو الجبروت ، الواحد الحي الصمد الذي لا يموت ، القادر العالم بنفسه ، البري من شبه خلقه ، الذي لم يزل ولا يزال ، وهو الواحد ذو القدرة والجلال ، الأول لا ثاني معه والآخر الذي لا شيء مثله.
باب تفسير معنى قوله الحي
لو قال قائل أو سأل عن معنى الحي سائل.
قيل له : الحي يخرج على ثلاثة وجوه :
فمنهن : المتحرك من ذوي الحواس المفهومة ، من الملائكة والجن والإنس وغير ذلك من الخلائق المعلومة وغير المعلومة ، ذوات الأرواح الجائلة المستجنة فيما خلق الله لها من الأبدان ، التي هي فيها مستكنة ، كما قال عزوجل : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النور : ٤٥] ، فكلها حي ما دام فيه روحه ، فإذا خرج روحه حلت به وفاته وموته ، والله من ذلك سبحانه فبري ، وعن التجسم والزوال فمتقدس عليّ.
والمعنى الثاني : فما يحييه وينشئه لجميع المخلوقين مما يذرأ ويخرج للعباد ، بالماء المبارك في الأرض ذات المهاد ، من النخيل الصنوان وغير الصنوان ، ذات الطلع الهضيم ، وغيرها من
__________________
(١٢٤) يريد : أنه إذ كان خلق القدرة ، بغير قدرة ، وهي أعظم الأشياء فخلق غيرها بغير قدرة أهون فلما ذا يوجدها؟