وسيقة كل سائق ، وركضوا في ميادين الدول ، كما وصفهم الله عزوجل (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الفرقان : ٤٤] ، وهم الجم الغفير ، والجمع الكثير (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنعام : ١١٦](وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : ١٠٣] ، فعظمت الفتنة ، واشتدت المحنة ، وتمت الفرقة المنهي عنها في الكتاب المبين ، وعلى لسان الرسول الأمين.
هذا واعلم أن الله جل جلاله قال : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس : ٣٢] ، وقال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «افترقت أمة أخي موسى إلى إحدي وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية ، والباقون في النار ، وافترقت أمة أخي عيسى الى اثنتين وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية والباقون في النار ، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية والباقون في النار» ، وهذا الخبر متلقى بالقبول ، فكلام من شكك فيه غير مقبول ، وقال وصيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : «ما وحده من كيفه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه» ، وغير ذلك مما هو معلوم بين الأمة ، ثم إنه معلوم بضروريات المعقول عدم صدق المتناقضات وما إليه تؤول ، وقد قال جل ذكره : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) [الزمر : ٣٢] ، فكيف تكون هذه الفرق كلها ناجية على اختلاف أهوائها وتباين آرائها؟ (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [المؤمنون : ٧١].
وقد أوضح لهم الدليل ، وأنهج لهم السبيل ، بما ركب فيهم من العقول ، وأتاهم به الرسول ، فلم يكن خلاف من خالف ، وشقاق من شاقق ، فيما هذا حاله ، إلا إخلالا بما كلفه الله تعالى من معرفته ، أو عنادا لما احتج به عليه من حجته ، ألم ينههم عن التفرق في الدين ، والاكتفاء بالظن فيما لا بد فيه من اليقين؟ قال جل ذكره : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام : ١٥٣] ، وقال عزوجل : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] ، وغير ذلك مما احتج به على الخلق ، وأرشدهم به إلى الحق.