لأصحاب الأيكة المخسرين ، فيما أمرهم به من طاعة رب العالمين : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٨٤]. ومن ذلك قول إبراهيم المطهر الكريم ، لعبدة الأصنام ، الشاكين في الله الطغام ، حين يقول صلى الله عليه : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) [الشعراء : ٧٦ ـ ٨٥]. ومن ذلك قوله صلى الله عليه لأبيه وقومه ودلالته إياهم على ربهم وربه عزوجل حين يقول : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [الأنبياء : ٥٦].
فكل الأنبياء عليهمالسلام يدل على ربه ذي الجلال والإكرام بآياته وفعله ، وما ذرأ وأوجد من خلقه ، لا بتبعيض ولا تصوير ولا تحديد ، ولا بمشابهة لما خلق من العبيد ، فسبحان من ليس له شبه ولا عديل ، ولا ضد ولا مثيل ، وهو الفرد الصمد الجليل ، الذي كينونته في السماوات العلى ككينونته في الأرض السابعة السفلى ، الذي لا تراه العيون الناظرة ، ولا تدركه الأوهام الخاطرة ، في الدنيا ولا في الآخرة ، النافذ قضاؤه ، والعزيز أولياؤه ، والذليل أعداؤه ، المرضي لمن أرضاه ، المعذب لمن عصاه ، الداعي إلى دار السلام ، المبتدي بالفضل والإنعام ، مبيد الأحياء ، وباعث الموتى ، وجامع الخلق ليوم لا ريب فيه ، المتكفل بالكفاية لمن توكل عليه ، المتولي الموفق الهادي لمن انقطع إليه ، كذلك الله أكرم الأكرمين ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
باب تفسير قول الله سبحانه (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) آل عمران : ٢٠ والرد على من قال من أهل الإلحاد إنه يبصر بعين كأعين العباد
إن سأل سائل مسترشد عن ذلك أو تعنت متعنت ضال هالك.
قيل له : إن معنى بصير يخرج على معنيين بينين عند أهل العلم نيرين ، فأما أحدهما فهو العالم بالأشياء طرا. من ذلك قول العرب : فلان بصير بالفقه والنحو والحساب ، بصير