حجة عليك وعلى غيرك من الرحمن؟
فإذا قال : نعم كذلك ، أقول ، وإلى ذلك اعتقادي يؤول.
قيل له : فهل يجوز أن تتضاد حجج الله وتختلف ، وتتباعد في المعاني فلا تأتلف ، فتدل إحداهن على معنى وتبطله وتنكره الأخرى ، فكلما أثبتت حجة العقل لله حجة على العباد ، أنكرتها ودفعتها وخالفتها وأبطلتها حجة الله في القرآن ، وكلما أثبتت حجة الله في القرآن شيئا دفعته حجة العقول دفعا.
فإن قال : نعم يكون ذلك ويوجد.
استغني (١٣٧) بجهله واستدل بذلك على كفره ، وخالف الخلق أجمعين ، وقال بما لم يقل به أحد من العالمين ، وافتضح عند نفسه فضلا عن غيره ، لأنه زعم أن حجج الله تتناقض وتتضاد وما تناقض وتضاد فليس بحجة لله على العباد.
وإن رجع إلى الحق ، وتعلق بالقول بالصدق ، فقال : لا يجوز ذلك ، ولا يكون أبدا كذلك ؛ لأن حجج الله على الخلق يؤكد بعضها بعضا ، ويشهد ناطقها من القرآن لمستجن مركبها في الإنسان ، ويشهد عقل الإنسان لنواطق حجج القرآن ، وكذلك ما نطق به الرسول يشهد له القرآن والعقول. من ذلك ما يروى عن النبي المصطفى السراج المنير ، والحجة لرب العالمين على عباده أجمعين ، عليه وآله أفضل صلوات أرحم الراحمين ، من أنه قال : «سيكذب عليّ من بعدي كما كذب على الأنبياء من قبلي ، فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قتله ، وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله.» ، فأخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه لا يأتي منه قول مخالف للكتاب ؛ لأنه حجة لله في كل الأسباب ، ولن تخالف حجة من حجج الله حجة.
وكذلك العقل فهو حجة لله على خلقه ، لا يوضح ولا يدل إلا على ما دل عليه وأوضحه القرآن ، فإذا فهم ما قلنا به من ذلك السائل ، وقال به ووقف على أن حجج الله يؤكد بعضها بعضا ولا يبطل شيء منها شيئا ، قيل له : كيف يا لك الخير تريد من العقل
__________________
(١٣٧) في (ب) و (ج) : استغني عن مناظرته بجهله.