ولم يقل في الدنيا دون الآخرة ، فنفى عن نفسه درك الأبصار في كل وقت من أوقات الدنيا والآخرة ، كما نفى عن نفسه السنة والنوم في الدنيا والآخرة ، فقال : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] ، كما نفى عن نفسه الظلم في الدنيا والآخرة فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس : ٤٤] ، وكما نفى عن نفسه أن يكون له شبيه في الدنيا والآخرة على كل وجه من الوجوه بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٨٤] ، فنفى عن نفسه أن يكون في مكان دون مكان ؛ لأن من كان في مكان دون مكان فمحدود ، والله غير محدود ، ولا يحيط به شيء ، وهو بكل شيء محيط ، وقال : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) [المجادلة : ٧] الآية ، فبهذه الآيات ونحوها احتججنا على من خالفنا ومن شبه الخالق بالمخلوق ، وعلمنا أن الله لا يشبهه شيء في وجه من الوجوه.
باب في خلق القرآن
وذكر الله القرآن فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ، فأخبر أنه منزل محفوظ ، كما قال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥] ، وكقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] ، وقال : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) [ق : ٩] ولم يقل خلقنا الحديد والماء والأنعام ، وكل ذلك مخلوق ، وقوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد : ١٦] ، وقوله : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) [الروم : ٨] ، وكذلك القرآن ؛ لأنه شيء وهو بين السماوات والأرض ، وليس القرآن من أعمال العباد التي أضافها الله إليهم في كتابه ، ولا من صنعهم الذي نسبه الله إليهم ، فالقرآن داخل في هذه الآيات دون عمل العباد كالأنعام والحديد.
وقال : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [الشورى : ٥٢] ، وقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١] ، فأخبر أنه نور والنور مخلوق.